للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ يُدْخِلْ فَاهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَتَنَجَّسْ الْمَاءُ.

وَإِنْ أَدْخَلَ فَاهُ فِي الْمَاءِ فَمُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ فَإِنْ كَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ فَيُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْكُوكًا فَالْمَاءُ مَشْكُوكٌ فَيُنْزَحُ جَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَمَكْرُوهٌ فَيُسْتَحَبُّ نَزْحُهَا، وَإِنْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ فَاهُ، وَفِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ أَوَّلًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يُدْخِلْ فَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا وَإِجَارَةً وَبَيْعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِائَتَانِ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا) أَيْ إذَا وَجَبَ نَزْحُ الْجَمِيعِ وَلَمْ يُمْكِنْ فَرَاغُهَا لِكَوْنِهَا مَعِينًا نُزِحَ مِائَتَا دَلْوٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ؛ لِأَنَّ آبَارَهَا كَثِيرَةُ الْمَاءِ لِمُجَاوَرَةِ دِجْلَةَ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتُجَصَّصُ وَيُصَبُّ فِيهَا فَإِذَا امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ مَاؤُهَا.

وَالثَّانِي أَنْ يُرْسِلَ قَصَبَةً فِي الْمَاءِ وَيَجْعَلَ عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يَنْزَحُ عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيَنْظُرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَصَ الْعَشْرَ فَهُوَ مِائَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ إذَا نَقَصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ عَشَرَةٍ مِنْ أَعْلَى الْمَاءِ أَنْ يَنْقُصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ مِثْلِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ وَقُدْوَتُهُ فِي اشْتِرَاطِ الْغَلَبَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْغَلَبَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ فِي الْغَلَبَةِ الْعَجْزُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا غَيْرُهُ، وَقِيلَ يُؤْتَى بِرَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ فَإِذَا قَدَّرَاهُ بِشَيْءٍ وَجَبَ نَزْحُ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِكَوْنِهِمَا نِصَابَ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ فَأْرَةٌ مُنْتَفِخَةٌ جُهِلَ وَقْتُ وُقُوعِهَا) أَيْ نَجَّسَ الْبِئْرَ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ لَا يُدْرَى وَقْتُ وُقُوعِهَا وَهِيَ مُنْتَفِخَةٌ وَعَادَةُ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَدِّرُوهُ بِالْأَيَّامِ، وَهُوَ قَدَّرَهُ بِاللَّيَالِيِ حَيْثُ حَذَفَ التَّاءَ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةً فَقَدْ تَمَّ الْآخَرُ، وَقَوْلُهُ نَجَّسَهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ يَعْنِي فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمَهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا، وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ إسْنَادٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِمَائِهَا لَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا غَسْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا مُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْتَفِخْ نَجِسُهَا مُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْحَالِ أَوْ أَلْقَاهَا الرِّيحُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَرَ تَنَجُّسَهَا أَوْ أَلْقَاهَا طَيْرٌ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى رَأَى حِدَأَةً وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْبُسْتَانِ فِي مِنْقَارِهَا جِيفَةٌ فَطَرَحْتهَا فِي بِئْرٍ فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي الْبِئْرِ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلشَّكِّ فِي الْإِسْنَادِ فَصَارَ كَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ وُقُوعَ الْحَيَوَانِ الدَّمَوِيِّ فِي الْمَاءِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ لَا سِيَّمَا فِي الْبِئْرِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَوْهُومِ كَالْمَجْرُوحِ إذَا لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُحَالُ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ حَتَّى يَجِبَ مُوجِبُهُ إذْ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ السَّبَبِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا) كَسُكَّانِ الْبُيُوتِ وَالسِّنَّوْرِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخْلَاةِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الطَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَسْتَنْجِ وَالْحَائِضِ وَالْكَافِرِ وَالذِّمِّيِّ كُلُّهُ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَكَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ أَوْ لَا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ عَيْنَ الْكَلْبِ نَجِسٌ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ

(قَوْلُهُ وَهُوَ قَدَّرَهُ بِاللَّيَالِيِ إلَى آخِرِهِ) إنْ قِيلَ لَا دَلَالَةَ فِي حَذْفِ التَّاءِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مُؤَنَّثٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا ذُكِّرَ الْمَعْدُودُ أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكَّرْ فَيُذَكَّرُ مَعَ الْمُذَكَّرِ كَمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ بَعْضُ النُّحَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشَى عَلَى مَا مَشَتْ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْأَيَّامِ، قُلْت قَدْ قَالَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ: الْفَصِيحُ أَنْ يَكُونَ بِالتَّاءِ لِلْمُذَكَّرِ وَعَدَمِهَا لِلْمُؤَنَّثِ كَمَا لَوْ ذُكِّرَ الْمَعْدُودُ فَتَقُولُ صُمْت خَمْسَةً تُرِيدُ أَيَّامًا وَسِرْت خَمْسًا تُرِيدُ لَيَالِيَ اهـ وَقَوْلُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ قُلْت: لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي، وَكَذَا ذِكْرُ اللَّيَالِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فِي الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَجِسُهَا مُنْذُ ثَلَاثٍ) وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ تَابِعٌ لِصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ حَيْثُ قَالَ

دَجَاجَةٌ بِهَا انْتِفَاخٌ وُجِدَتْ فِي الْبِئْرِ ... فَهِيَ مُذْ ثَلَاثٍ فَسَدَتْ

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى قَوْلُهُ فَهِيَ مُذْ ثَلَاثٍ أَيْ ثَلَاثِ لَيَالٍ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْأَيَّامُ لَقَالَ مُذْ ثَلَاثَةٍ لَكِنَّ اللَّيَالِيَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ كَمَا أَنَّ الْأَيَّامَ تَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: ١٠] وقَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] أَيْ عَشْرَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا اهـ.

(قَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ اهـ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْعِلْمِ) أَيْ فِي الْفَصْلَيْنِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ وَالتَّفَسُّخِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ) أَيْ وَهُوَ الْوُقُوعُ. اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ الْمَوْهُومِ) أَيْ وَهُوَ الْمَوْتُ بِغَيْرِ الْوُقُوعِ، وَقَدَّرْنَا الْمَوْتَ بِلَا انْتِفَاخٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذْ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لَا يُمْكِنُ التَّقْدِيرُ بِهَا لِتَفَاوُتِهَا، وَالْمَوْتُ مَعَ الِانْتِفَاخِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَأَدْنَى حَدِّ التَّقَادُمِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنَّ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ تَفَسَّخَ ظَاهِرًا كَذَا فِي الْكَافِي

<<  <  ج: ص:  >  >>