للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ آخَرُ أَخْبَرَنِي أَخِي أَنَّهُ صَاعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مَذْهَبِهِ.

وَلَنَا مَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَنَّهُ صَاعٌ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَجَّاجِيِّ وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَشْهُورٌ وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَنَّهُ أَصْغَرُ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَصْغَرُ الصِّيعَانِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْحَجَّاجِيِّ وَالْجَمَاعَةُ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقُومُ بِهِمْ حُجَّةٌ لِكَوْنِهِمْ مَجْهُولِينَ نَقَلُوا عَنْ مَجْهُولِينَ مِثْلَهُمْ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الصَّاعِ.

وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَ صَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَدَهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِرِطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَلْ أَكْبَرُ مِنْ رِطْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا وَالرِّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ إسْتَارًا فَإِذَا قَابَلَتْ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْمَدَنِيِّ تَجِدُهُمَا سَوَاءً فَوَقَعَ الْوَهْمُ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَهُوَ أَشْبَهُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَذَكَرَهُ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ ثُمَّ يَعْتَبِرُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَزْنِ فِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّاعِ بِأَنَّهُ كَمْ رِطْلٌ هُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوَزْنِ إذْ لَا مَعْنَى لِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ إلَّا إذَا اُعْتُبِرَ بِهِ وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالصَّاعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْكَيْلِ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَأَعْجَلُ بِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ قُلْنَا لَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ أَيْضًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صُبْحَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ) أَيْ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَصُبْحَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِتَجِب فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ يَتَعَلَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِانْفِصَالِ الصَّوْمِ وَذَلِكَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ وَهَذَا لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ لِرَمَضَانَ لَا لِشَوَّالٍ وَيَوْمُ الْفِطْرِ أَوْ لَيْلَتُهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شَوَّالٍ فَمَنْ وُلِدَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ مَلَكَ فِيهَا نِصَابًا لَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَمْلِكْ فِي رَمَضَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ يَتَعَلَّقُ بِفِطْرٍ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ فِطْرَةً لِأَنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِطْرٌ بَعْدَ صَوْمٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلِهَذَا يُقَالُ يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا بِقَوْلِهِمْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ تَقْدِيرُهُ لَيْلَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ وَهُوَ الْيَوْمُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ رِطْلَيْنِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ فِي الْغَايَةِ مَرَّةً بِتَعْرِيفِ مُدٍّ وَمَرَّةً بِتَنْكِيرِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ» هَكَذَا وَقَعَ مُفَسَّرًا عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فِي ثَلَاثَةِ طُرُقٍ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ فُقِدَ فَأَخْرَجَهُ الْحَجَّاجُ وَكَانَ يَمُنُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ عُمَرَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ حَجَّاجِيًّا أَيْضًا. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ) أَيْ وَهُوَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَضْعِيفِهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِ النَّقْلِ عَنْ مَجْهُولِينَ مِنْ النَّظَرِ بَلْ الْأَقْرَبُ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ خِلَافَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ ضَعْفِ أَصْلِ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ رَوَاهَا ثِقَةٌ لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَمُشَافَهَتَهُ إيَّاهُمْ مِمَّا يُوجِبُ شُهْرَةَ رُجُوعِهِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يَعُمَّهُ مُحَمَّدٌ فَهُوَ عَلَى بَاطِنِهِ اهـ.

قَوْلُهُ مِنْ النَّظَرِ لِأَبِي يُوسُفَ عُرِفَ بِوُجُوهِ الِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ لَمْ يُخَالِفْ ذَلِكَ طَرِيقَ الْأُصُولِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَنْ لَيْسَ بِمَعْلُومِ الْجُرْحِ وَلَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِيهِ الْأَصْلُ فِي الْمُسْلِمُ الْعَدَالَةُ مَا لَمْ تَثْبُتْ الرِّيبَةُ وَلَا طَرِيقَ الْمُحَدِّثِينَ إذْ الضَّعِيفُ يَرْتَقِي حَدِيثُهُ إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضَعْفُهُ بِالْكَذِبِ فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الَّذِينَ أَخْبَرُوا أَبَا يُوسُفَ فِيهِمْ ضَعِيفٌ لَارْتَقَى إخْبَارُهُمْ الْمَذْكُورُ إلَى الْحُجَّةِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ تَعَدُّدًا كَثِيرًا فَكَيْفَ وَهُوَ يَقُولُ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كُلٌّ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ (قَوْلُهُ عِشْرُونَ إسْتَارًا) الْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ فَإِذَا ضَرَبْت مِائَةً وَسِتِّينَ فِي سِتَّةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ يَصِيرُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ) حَتَّى لَوْ وَزَنَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْقَوْمِ لَا يَجْزِيهِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحِنْطَةِ ثَقِيلَةً لَا تَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ وَإِنْ وَزَنَتْ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ) أَيْ وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ فَالْأَدَاءُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ دَقِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِي زَمَنِ السَّعَةِ الدَّرَاهِمُ أَفْضَلُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ) إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. هِدَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>