مِنْ الْعِبَادَاتِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِأَحَدِ بِسَبَبِهِ وَمَا يَمْتَدُّ خِلْقَةً كَالصِّبَا فَيَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ وَمَا يَمْتَدُّ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الصَّوْمِ غَالِبًا كَالْإِغْمَاءِ فَإِنْ امْتَدَّ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جُعِلَ عُذْرًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي الصَّوْمِ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا نَادِرٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِهِ حَرَجٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ طَوِيلًا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ لَوْ امْتَدَّ طَوِيلًا لَهَلَكَ وَبَقَاءُ حَيَاتِهِ بِدُونِهِمَا نَادِرٌ وَلَا حَرَجَ فِي النَّوَادِرِ وَمَا يَمْتَدُّ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَدْ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الْجُنُونُ فَإِنْ امْتَدَّ فِيهِمَا أَسْقَطَهُمَا وَإِلَّا فَلَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِمْسَاكٍ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَفِطْرٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ أَمْسَكَ فِي رَمَضَانَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَلَا فِطْرٍ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَقَدْ وُجِدَ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ وَقَعَ عَنْهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: ٥] وَالْإِخْلَاصُ لَا يَكُونُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ زُفَرُ أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْعَبْدِ وَأَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَهَذَا خُلْفٌ وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ وُجِدَتْ مِنْهُ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ يَعْنِي لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ لَمْ يَأْكُلْ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَكَلَ عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّهُ صَائِمٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحُكْمُ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ بِهِ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي الْقَاضِي خَانْ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ فِي الْجُنُونِ الْعَارِضِيِّ إذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ قَضَى جَمِيعَهُ وَفِي الْأَصْلِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَقَالَ يَقْضِي مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ وَهَكَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ وَفِي جَمِيعِ النَّوَازِلِ إذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ بُخَارَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اهـ وَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَلِمَ فِي خِلَالِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَالْمَجْنُونَ سَوَاءٌ. اهـ. دِرَايَةٌ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ جُنَّ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَفَاقَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ بَعْدَ سِنِينَ قَضَى الشَّهْرَ الَّذِي جُنَّ فِيهِ وَاَلَّذِي أَفَاقَ فِيهِ وَلَمْ يَقْضِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ السِّنِينَ لِاسْتِيعَابِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ إلَى آخِرِهِ) وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يُنْكِرُ هَذَا الْمَذْهَبَ لِزُفَرَ وَيَقُولُ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ أَنَّ صَوْمَ جَمِيعِ الشَّهْرِ يَتَأَدَّى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي أَوَّلِهَا كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ هَذَا قَوْلٌ قَالَهُ زُفَرُ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ) قُيِّدَ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي حَقِّهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَهُوَ إلْزَامِيٌّ مِنْ زُفَرَ بِهِ فَإِنَّ إعْطَاءَ النِّصَابِ فَقِيرًا وَاحِدًا عِنْدَهُ لَا يَقَعُ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ أَدَاءُ النِّصَابِ إلَيْهِ زَكَاةً بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ لِأَنَّا ذَكَرْنَا فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ صَائِمًا فِي يَوْمِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لِأَنَّا حَمَلْنَا أَمْرَهُ عَلَى النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ وَهُنَا لَمْ يُحْمَلْ أَمْرُهُ عَلَى النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَنْوِي شَيْئًا وَذَا مُطْلَقٌ لَهُ فَلَا يَصْلُحُ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى الْعَزِيمَةِ أَوْ رَجُلًا مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ وَحَالُ مِثْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَا صَوْمًا وَلَا فِطْرًا إلَى آخِرِهِ وَمَنْ حَقَّقَ تَرْكِيبَ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فَيُفْتَى بِلُزُومِ صَوْمِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْضًا لِأَنَّ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قِيَامِ النِّيَّةِ
أَمَّا هُنَا فَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِنَفْسِ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالَتِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَمَنْ شَكَّ أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَمْ لَا أَمْكَنَ أَنْ يُجَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْبِنَاءِ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ) أَيْ فَصَارَ الْآكِلُ قَبْلَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَانَ بِفَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ صَوْمًا فَبِالْأَكْلِ فَوَّتَ هَذَا الْإِمْكَانَ بِمَنْزِلَةِ تَفْوِيتِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ كَمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ لِتَفْوِيتِ الْأَصْلِ يَضْمَنُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ لِتَفْوِيتِ إمْكَانِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَضْمَنَ الثَّانِي بِسَبَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute