للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّيْلِ فَيَسْقُطُ لِلتَّعَذُّرِ وَجُعِلَتْ اللَّيَالِي تَابِعَةً لِلْأَيَّامِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُسْتَحَاضَةِ تَصِحُّ مَعَ السَّيْلَانِ وَإِنْ عُدِمَ الشَّرْطُ لِلتَّعَذُّرِ وَكَذَا الْخُرُوجُ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لَا يُنَافِيهِ لِلْعَجْزِ مَعَ أَنَّ الرُّكْنَ أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا تَعَلَّقَ بِهِ جَوَازُ الِاعْتِكَافِ كَالصَّلَاةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا وَمَعَ هَذَا تَعَلَّقَ بِهَا تَمَامُ الطَّوَافِ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْإِيمَانَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ صِحَّةُ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» عَائِدٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ دُونَ الصَّوْمِ فَيَكُونُ بَيَانًا عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَالتَّطَوُّعُ مِنْهُ يَصِحُّ بِدُونِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مَذْهَبُهُ خِلَافُ ذَلِكَ عَلَى مَا حَكَيْنَا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ نَذَرَ فِي الشِّرْكِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ وَلَيْسَ فِي اللَّيْلِ صَوْمٌ وَبِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا قَالَ فِي الْغَايَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَهَذَا أَصْلُ الْحَدِيثِ فَنَقَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ اللَّيْلَةَ وَبَعْضُهُمْ الْيَوْمَ وَلِأَنَّهُ كَانَ الصَّوْمُ مَشْرُوعًا بِاللَّيْلِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نَسْخِهِ

وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَلِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَأَقَلُّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَوْمٌ يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ قَضَاهُ وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَقْضِيهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ تَقْدِيرٌ عَلَى الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَوَى الِاعْتِكَافَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ صَحَّ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَلِهَذَا يُصَلِّي النَّفَلَ قَاعِدًا وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالنُّزُولِ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ أَقَلَّهُ أَكْثَرُ الْيَوْمِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ صَحَّ عِنْدَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ

وَالِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللُّبْثِ وَاجِبٌ فَيَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى هَذَا نُقِلَ عَنْ صَدْرِ سُلَيْمَانَ وَفِي جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَوَامِ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ صَارَ قُرْبَةً فَصَارَ الْتِزَامُهُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ عُبَادَةَ مَقْصُودَةٌ اهـ

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ) عَائِدٌ عَلَى الِاعْتِكَافِ أَيْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَنْذُورِ بِالنَّذْرِ مَعْلُومٌ وَالْخَفَاءُ فِي وُجُوبِ غَيْرِ الْمَنْذُورِ بِالنَّذْرِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الِاعْتِكَافِ أَكْثَرَ فَائِدَةً وَأَوْلَى بِحَمْلِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ عَلَيْهِ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَنَقَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ اللَّيْلَةَ وَبَعْضُهُمْ الْيَوْمَ إلَخْ) أَيْ فَيَجُوزُ لِلرَّاوِي نَقْلُ بَعْضِ مَا سَمِعَ. اهـ. غَايَةٌ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ النَّوَوِيَّ أَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ اسْتِدْلَالَهُ بِحَدِيثِ عُمَرَ هَذَا وَقَالَ هُوَ نَذْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّذْرَ الْجَارِيَ فِي الْكُفْرِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ الْأَخِيرُ) أَيْ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَحَسَّنَهُ اهـ

(قَوْلُهُ ثُمَّ الصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ إلَخْ) ثُمَّ لَمَّا اشْتَرَطَ الصَّوْمَ لِصِحَّتِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى إنَّ رَجُلًا صَامَ تَطَوُّعًا ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَيَّ الِاعْتِكَافُ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْعَقَدَ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَعَلَ رِوَايَةَ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي النَّفْلِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ جَمَاعَةٌ وَلَا يَحْضُرنِي مُتَمَسَّكٌ لِذَلِكَ فِي السُّنَّةِ سِوَى حَدِيثِ الْقِبَابِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي الرِّوَايَةِ الْقَائِلَةِ حَتَّى اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اعْتِكَافِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَا صَوْمَ فِيهِ وَفَرَّعُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ سَاعَةً ثُمَّ تَرَكَهُ لَا يَكُونُ إبْطَالًا لِلِاعْتِكَافِ بَلْ إنْهَاءً لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَلْزَمُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْ مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةً بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَأَدَاءُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْخَمْسِ فِيهِ شَرْطٌ اهـ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ يَصِحُّ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا حَتَّى لَوْ جَعَلَ بَعْضَ بُيُوتِ دَارِهِ مَسْجِدًا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَفْضَلُ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ إلَخْ) أَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عُكُوفٌ قَالَ فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت أَوْ حَفِظُوا وَأُنْسِيت قَالَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنْ أَبْغَضَ الْأُمُورِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِدَعُ وَإِنَّ مِنْ الْبِدَعِ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الدُّورِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَرْفُوعًا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمُخْتَارَةُ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>