للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِسَهُمَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ فِيمَا عَيَّنَّاهُ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْجَدِيدُ أَوْ الْغِسِّيلُ لِلنَّظَافَةِ وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَرْكَبْهُ النَّجَاسَةُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا أَبْيَضَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجِنَازَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَطَيَّبْ)

وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ مُحْرِمٍ سَأَلَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الطِّيبِ أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا»؛ وَلِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِالطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ» وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَبِيصَ الدُّهْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَنْهَانَا عَنْهُ»؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَطَيِّبٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَالْبَاقِي فِي جَسَدِهِ تَابِعٌ لَهُ كَالْحَلَقِ بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَوْ لُبْسِ الْمُطَيَّبِ؛ لِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ فِي الْعُمْرَةِ وَمَا رَوَيْنَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ الْمُحْرِمُ لَا يَشُمُّ طِيبًا آخَرَ مِنْ خَارِجٍ غَيْرَ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَا الرَّيْحَانَ وَلَا الثِّمَارَ الطَّيِّبَةَ الرَّائِحَةِ ثُمَّ كَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْلِيمُ أَظْفَارِهِ وَقَصُّ شَارِبِهِ وَحَلْقُ عَانَتِهِ وَنَتْفُ إبْطِهِ وَتَسْرِيحُ رَأْسِهِ عَقِيبَ الْغَسِيلِ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ إذَا أَرَادُوا أَنْ يُحْرِمُوا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) يَعْنِي بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي)؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ عَادَةً فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَيَسْأَلُ مِنْهُ التَّقَبُّلَ كَمَا سَأَلَهُ الْخَلِيلُ وَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِمَا {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٢٧] وَكَذَا يُسْأَلُ فِي جَمِيعِ الطَّاعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَبِّ دُبُرَ صَلَاتِك تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ) أَيْ لَبِّ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَأَنْتَ تَنْوِي الْحَجَّ بِالتَّلْبِيَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ أَيْ التَّلْبِيَةَ» وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَتَوَشَّحَ بِرِدَائِهِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تَحْتِ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيُغَطِّيَهُ وَيُبْدِيَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَبِسَ فِي إحْرَامِهِ إزَارًا وَرِدَاءً» عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاضْطَبَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ لَمْ يَبْقَ سُنَّةً فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ لِأَجْلِ الْمُشْرِكِينَ إظْهَارًا لِلْقُوَّةِ وَالْجَلَادَةِ حَيْثُ طَعَنَ الْمُشْرِكُونَ فِي عَجْزِهِمْ وَضَعْفِهِمْ

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اهـ وَقَوْلُهُ إزَارًا الْإِزَارُ مِنْ الْحَقْوِ وَالرِّدَاءُ مِنْ الْكَتِفِ وَيُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ فَيَبْقَى كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا ذَكَرَ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ لُبْسِ الْجَدِيدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ غَسِيلَيْنِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَقَدَّمَ الْجَدِيدَ عَلَى الْغَسِيلِ لِمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَزَيَّنْ لِعِبَادَةِ رَبِّك». اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَطَيَّبَ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيَمَسُّ طِيبًا إنْ شَاءَ وَيَدْهُنُ بِأَيِّ دُهْنٍ شَاءَ وَيَتَطَيَّبُ بِأَيِّ طِيبٍ شَاءَ سَوَاءٌ تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَا وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَيَتَطَيَّبُ وَيَدْهُنُ بِمَا شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأُصُولِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا حَتَّى رَأَيْت قَوْمًا أَحْضَرُوا طِيبًا كَثِيرًا، وَرَأَيْت أَمْرًا شَنِيعًا فَكَرِهْته. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ) أَيْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبِيصَ الطِّيبِ) وَالْوَبِيصُ هُوَ بَرِيقُ الطِّيبِ هَذَا فِي الْبَدَنِ أَمَّا فِي الثَّوْبِ فَيُكْرَهُ الطِّيبُ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ سَرِيعًا. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ لُبْسِ الْمَخِيطِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ حَيْثُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِكَوْنِ الثَّوْبِ مُبَايِنًا عَنْ الْبَدَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ) لَيْسَتْ الْوَاوُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَسْأَلُ التَّيْسِيرُ مِنْ اللَّهِ إلَخْ) وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاءَهَا عَادَةً مُتَيَسِّرٌ اهـ هِدَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَبِّ دُبُرَ صَلَاتِك إلَخْ) ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التَّلْبِيَةِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُلَبِّيَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ نَاقَتُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْإِحْرَامِ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهَا التَّلْبِيَةَ أَوْ يَسُوقَ الْهَدْيَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>