طَاهِرًا.
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّعِيدِ وَالْأَرْضِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ بِالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ فِي أُخْرَى لِأَنَّهُ يَذُوبُ، وَلَوْ كَانَ مَائِيًّا لَا يَجُوزُ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا لَا يَجُوزُ بِالْمَاءِ الْمُتَجَمِّدِ وَيَجُوزُ بِالْآجُرِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ الْخَزَفُ مِنْ طِينٍ خَالِصٍ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طِينٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ كَالزُّجَاجِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ وَشَيْءٍ آخَرَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ يَجُوزُ بِالْكِيزَانِ وَالْحُبَابِ وَيَجُوزُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مَا دَامَتْ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَمْ يُصْنَعْ مِنْهَا شَيْءٌ وَبَعْدَ السَّبْكِ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ وَيَصِيرُ رَمَادًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَنْطَبِعُ وَيَذُوبُ بِالنَّارِ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: ٨] قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَيْ يَجُوزُ بِجِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُبَارٌ وَالنَّقْعُ الْغُبَارُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَقْعٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِمَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ جِنْسِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: ٤٠] أَيْ حَجَرًا أَمْلَسَ وَلَا تَعَلُّقَ لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {طَيِّبًا} [البقرة: ١٦٨] عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التُّرَابَ الْمَنْبِتِ؛ لِأَنَّ الطَّيِّبَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُرَادُ بِهِ الْمَنْبِتُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَلَالُ وَيُرَادُ بِهِ الطَّاهِرُ وَهُوَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا إذْ الْمُشْتَرَكُ لَا عُمُومَ لَهُ، وَكَذَا الْأَرْضُ فِي الْحَدِيثِ اسْمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ كَمَا تَنَاوَلَ فِي حَقِّ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الَّذِي جُعِلَ مَسْجِدًا هُوَ الَّذِي جُعِلَ طَهُورًا قَوْلُهُ وَبِهِ بِلَا عَجْزٍ أَيْ يَجُوزُ بِالنَّقْعِ بِلَا عَجْزٍ عَنْ الصَّعِيدِ لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْغُبَارُ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ حَيَوَانٍ، وَلَوْ أَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ فَإِنْ مَسَحَهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التُّرَابِ وَعِنْدَ عَدَمِهِ لَهُ رِوَايَتَانِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ وَيُعِيدُ، وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (نَاوِيًا) أَيْ يَتَيَمَّمُ نَاوِيًا وَهُوَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَتَيَمَّمُ وَكَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِثْلُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ اتِّبَاعٌ لِغَيْرِهَا وَفِي التَّيَمُّمِ لِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْغَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَنِيَّةُ الطَّهَارَةِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
جَازَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا الْتَزَقَ بِيَدَيْهِ وَهُوَ كَفَضْلِ مَا فِي الْإِنَاءِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي أُخْرَى) وَفِي قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يَذُوبُ. اهـ. كَاكِيٌّ.
قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ بِالْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ اهـ وَلَا يَجُوزُ بِاللُّؤْلُؤِ الْمَدْقُوقِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالزِّئْبَقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَكَذَا بِالرَّمَادِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الرَّمْلِ) وَكَذَا الزَّبَادِيُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَطْلِيَّةً بِالدِّهَانِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْتَرِقُ) أَيْ كَالشَّجَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْطَبِعُ) أَيْ كَالْحَدِيدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُبَارٌ) ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَرْضٍ نَزَّةٍ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِيَدِهِ شَيْءٌ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ صَعِيدًا جُرُزًا) فَسَّرَ الصَّعِيدَ بِالْجُرُزِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ، وَالْجُرُزُ أَرْضٌ لَا نَبَاتَ فِيهَا فَعُلِمَ أَنَّ النَّبَاتَ لَيْسَ مِنْ الصَّعِيدِ، وَمَا يَذُوبُ بِالنَّارِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا يَحْتَرِقُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الصَّعِيدِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَقْعٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْغُبَارِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ بِدُونِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] أَيْ مِنْ التُّرَابِ وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَأَفَادَتْ الْآيَةُ وُجُوبَ الْمَسْحِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَصِقَ بِيَدِهِ شَيْءٌ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي مِنْهُ إلَى الْحَدَثِ الْمَذْكُورِ أَوْ تُحْمَلُ مِنْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ كَمَا يَجِيءُ وَلِأَنَّ الْتِصَاقَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ فِي الْوُضُوءِ شَرْطٌ فَكَذَا فِي التَّيَمُّمِ وَفِي الْإِيضَاحِ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُلَطِّخُ الثَّوْبَ بِالطِّينِ، وَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْجَفَافِ إذَا كَانَ فِي طِينٍ رَدِغَةٍ هُوَ قَوْلُهُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ الرَّطْبِ إذَا لَمْ يَعْلَقْ مِنْهُ شَيْءٌ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ دَقَّ الْحَجَرُ أَوْ الْآجُرُّ جَازَ أَيْضًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ أَرَادَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُرِيدَ (قَوْلُهُ الْمَنْبَتُ) أَيْ وَهُوَ التُّرَابُ الْخَالِصُ عَنْ الرَّمْلِ اهـ.
(قَوْلُهُ يُرَادُ بِهِ الْمَنْبَتُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ تَعَالَى {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} [الأعراف: ٥٨] (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَلَالُ) قَالَ تَعَالَى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ٥٧] (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهِ الطَّاهِرُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ تَعَالَى {حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: ١٦٨] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ». اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا الْأَرْضُ فِي الْحَدِيثِ) وَهُوَ قَوْلُهُ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا». اهـ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَهُوَ شَرْطٌ. اهـ. (قَوْلُهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ إلَى آخِرِهِ) الدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ تَرْتِيبُ التَّيَمُّمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَهِيَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ وَقَدْ انْتَفَى فِيهَا الْقَيْدَانِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهَا نِيَّةٌ لِلصَّلَاةِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ) احْتِرَازٌ عَنْ التَّيَمُّمِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ لَكِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا طَهَارَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ) أَيْ أَوْ مَسِّ الْمُصْحَفِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِلْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا السَّلَامُ أَوْ رَدُّهُ أَوْ الْإِسْلَامُ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ لِجَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِدُونِ الْوُضُوءِ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً لَكِنْ يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَمِنْ الْمُشْكِلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ مِمَّا لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute