وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةً رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ أَوْ يُلَيِّنُ الشَّعْرَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِهَا لِلْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّمِ بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ) يَعْنِي يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الشَّعْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الشَّعَثَ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ ارْتِفَاقٍ بِمَعْنَى قَتْلِ الْهَوَامِّ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ فَكَانَتْ جِنَايَةً قَاصِرَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ، فَإِنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِيهِ فَتَصِيرُ تَامَّةً فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ أَصْلِ الطِّيبِ مَا يَجِبُ بِالطِّيبِ كَالْبَيْضِ لَمَّا كَانَ أَصْلَ الصَّيْدِ يَجِبُ بِكَسْرِهِ قِيمَتُهُ كَمَا يَجِبُ بِالصَّيْدِ.
فَإِذَا كَانَ أَصْلًا لَهُ فَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَيُزِيلُ الشَّعَثَ وَالتَّفَثَ، وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ مَأْكُولًا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ كَالزَّعْفَرَانِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْحَلِّ الْبَحْتِ أَيْ الْخَالِصِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ طِيبٌ أَمَّا الْمُطَيِّبُ بِالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَالْبَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ أَمَّا لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ، أَوْ هُوَ طِيبُ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاسْتِعْمَالِهِ حَتَّى لَوْ أَكَلَ زَعْفَرَانًا مَخْلُوطًا بِطَعَامٍ أَوْ طِيبٍ آخَرَ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَإِنْ مَسَّتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا، وَعَلَى هَذَا التَّفَاصِيلُ فِي الْمَشْرُوبِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ ادَّهَنَ بِالشَّحْمِ أَوْ السَّمْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ إلَى التَّجْرِيدِ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَلَا يَكُونُ طِيبًا، وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَقَتْلِ الْهَوَامِّ، وَلَهُ أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً، وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَقِيلَ: جَوَابُهُ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ، وَجَوَابُهُمَا فِي خِطْمِيِّ الشَّامِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا) يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ يَوْمًا كَامِلًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الدَّمُ بِنَفْسِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ إحْرَامُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلَنَا أَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ بِهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالدَّوَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْيَوْمُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا فَقَدَّرْنَاهُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ لَبِسَهُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهَا مِنْ قَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفَّيْنِ يَوْمًا كَامِلًا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا لَوْ دَامَ أَيَّامًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ يَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ وَيَلْبَسُهُ بِالنَّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا نَزَعَهُ عَلَى عَزْمِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِكَسْرِ السِّينِ الْعِظْلِمُ يُخْتَضَبُ بِهِ وَتَسْكِينُهَا لُغَةٌ، وَلَا تَقُلْ وَسْمَةُ بِالضَّمِّ، وَإِذَا أَمَرْت مِنْهُ قُلْت تَوَسَّمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِهَا لِلْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خِضَابٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ) أَيْ إذَا بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مَأْكُولًا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ كَالزَّعْفَرَانِ) أَيْ وَلِهَذَا إذَا طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا بِالزَّعْفَرَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِارْتِفَاقِهِ بِالطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا ادَّهَنَ بِشَحْمٍ أَوْ أَلْيَةٍ أَوْ سَمْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ، وَلَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْحَلِّ الْبَحْتِ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمَفْتُوحَةِ الْمَنْقُوطَةِ بِنُقْطَةٍ تَحْتَانِيَّةٍ بَعْدَهَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ السَّاكِنَةُ بَعْدَهَا التَّاءُ الْمَنْقُوطَةُ بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ هُوَ الْخَالِصُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَلُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَلُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ دُهْنُ السِّمْسِمِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ إلَخْ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ بِالْحُرُضِ أَوْ بِالصَّابُونِ أَوْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ) وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَلْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ ثُمَّ أَقَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَيْهِ كَلُبْسٍ مُبْتَدَأٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَخِيطِ فَدَامَ عَلَى ذَلِكَ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا: وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَحْوُ مَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى قَمِيصٍ وَاحِدٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ لَبِسَ عَلَيْهِ جُبَّةً أَوْ اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً وَعِمَامَةً أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ مَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً مَعَ الْقَمِيصِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَجْلِ لُبْسِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيُخَيَّرُ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَجْلِ لُبْسِ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ثُمَّ زَالَتْ الضَّرُورَةُ عَنْهُ فَمَا دَامَ فِي شَكِّ الزَّوَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ جَاءَ الْيَقِينُ أَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ زَالَتْ فَلَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ دَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ، وَكَفَّارَةُ غَيْرِ الضَّرُورَةِ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: إذَا كَانَ بِهِ حُمَّى غِبٍّ فَجَعَلَ يَلْبَسُهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَمَا دَامَتْ الْحُمَّى قَائِمَةً فَاللُّبْسُ مُتَّحِدٌ وَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْحُمَّى، وَحَدَثَتْ حُمَّى أُخْرَى اخْتَلَفَ حُكْمُ اللُّبْسِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اللُّبْسُ لِأَجْلِ الْعَدُوِّ فَجَعَلَ يَلْبَسُ السِّلَاحَ، وَيُقَاتِلُ بِالنَّهَارِ، وَيَنْزِعُ بِاللَّيْلِ فَهَذَا اللُّبْسُ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ وَيَجِيءُ آخَرُ فَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافُهَا لَا صُورَةُ اللُّبْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute