للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْإِحْرَامِ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ ارْتِكَابَ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ لَا يُفْسِدُهُ، وَمَا تَعَلَّقَ بِالْجِمَاعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ كَالْحَدِّ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَيَفْسُدُ لِأَجْلِ مَا يُضَادُّهُ وَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَلِأَنَّ أَقْصَى مَا يَجِبُ فِي الْحَجِّ الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ، وَفِي الصَّوْمِ الْكَفَّارَةُ فَكَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ فَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) هَذَا الْكَلَامُ يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الشَّاةِ بِهِ، وَالثَّانِي: فَسَادُ الْحَجِّ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الشَّاةِ فَمَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَكْمَلُ لِوُجُودِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ أَغْلَظَ، وَلَنَا مَا رَوَى يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ الْأَسْلَمِيُّ التَّابِعِيُّ «أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمَا: اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَأَهْدِيَا هَدْيًا الْحَدِيثَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْهَدْيُ يَتَنَاوَلُ الشَّاةَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ صَارَ الْفَائِتُ مُسْتَدْرَكًا بِهِ فَخَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلُّ الْجَابِرِ فَيُغَلَّظُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ لِقُصُورِ مَعْنَى الْجِمَاعِ فِيهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّوْمِ.

وَلَوْ كَانَ قَارِنًا فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ إنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَمْضِي وَيَقْضِي) أَيْ يَمْضِي فِي الْحَجِّ، وَيَقْضِي بَعْدَ مَا أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُرِيقَانِ دَمًا وَيَمْضِيَانِ فِي حَجِّهِمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِيهِ) أَيْ وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِي الْقَضَاءِ وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَفْتَرِقَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا الِافْتِرَاقَ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَفْتَرِقَانِ إذَا خَرَجَا مِنْ مَنْزِلِهِمَا وَالشَّافِعِيُّ: إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ فِيهِ، وَعِنْدَ زُفَرَ إذَا أَحْرَمَا؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الشَّهْوَةِ دُونَ الْإِنْزَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: تَجِبُ بِهِ الشَّاةُ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْإِحْرَامُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) إشَارَةٌ إلَى الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ اهـ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِمَرْأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ) أَيْ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ بِحَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادُ الْحَجِّ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَيَفْسُدُ الْحَجُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَفْسُدُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَهُمَا فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَأَمَّا إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِمْتَاعٍ مَقْصُودٍ، وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ تَجِبُ بِالِاسْتِمْتَاعِ الْمَقْصُودِ، فَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ رَوَى جَمِيعَ ذَلِكَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ عَلَى هَذَا أَيْ كَجِمَاعِ الْبَهِيمَةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَهُوَ فِي الْقُبُلِ عِنْدَهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي أُخْرَى عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادٌ، وَالْأُولَى أَصَحُّ فَإِنْ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ، وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَبْسُوطِ لُزُومَ تَعَدُّدِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَيْدِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ أُخْرَى.

وَالْحَقُّ اعْتِبَارُهُ عَلَى أَنْ تَصِيرَ الْجِنَايَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ بَعْدَهُ مُتَّحِدَةً فَإِنَّهُ نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ الْحَلَالُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ حَرَامًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ بِإِفْسَادِهِ الْإِحْرَامَ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا عَنْهُ قَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَكَذَا بِنِيَّةِ الرَّفْضِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ اسْتَنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ فَيَكْفِيهِ لِذَلِكَ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. فَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَ جِمَاعٌ بَعْدَ الْأَوَّلِ بِقَصْدِ الرَّفْضِ فِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا يَلْزَمُ بِهِ الْفَسَادُ وَالدَّمُ عَلَى الرَّجُلِ يَلْزَمُ مِثْلُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً إنَّمَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْإِثْمُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الصَّبِيَّةَ أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ ثُمَّ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً حَتَّى فَسَدَ حَجُّهَا وَلَزِمَهَا دَمٌ هَلْ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ؟ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ: لَا، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ: نَعَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ) أَيْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ اهـ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَ حَجُّهُ دُونَ عُمْرَتِهِ وَإِذَا فَسَدَ الْحَجُّ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ نُسُكَانِ صَحِيحَانِ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ لِفَسَادِ الْحَجِّ وَلِلْجِمَاعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فَيَقْضِي الْحَجَّ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ لَيْسَ بِقَارِنٍ لِهَذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا) وَيَمْضِي فِيهِمَا وَيُتِمُّهُمَا عَلَى الْفَسَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا) أَيْ فِيمَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا يُحْرِمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُرِيقَانِ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيقُ دَمًا يُجْزِيهِ فِي ذَلِكَ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ جَزُورٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>