فَمَنْ تَكَلَّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالطَّهَارَةِ فَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِيهِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ تَشْبِيهُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ هُوَ فِي الصَّلَاةِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَالْكَلَامَ لَا يُفْسِدُهُ، وَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَعَلَى هَذَا لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا أَوْ عَارِيًّا أَوْ رَاكِبًا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعِنْدَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ثُمَّ الطَّهَارَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ ابْنِ شُجَاعٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ فَلَمْ تَصِرْ الطَّهَارَةُ فِيهِ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَدَنَةٌ لَوْ جُنُبًا) أَيْ تَجِبُ الْبَدَنَةُ إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعِيدُ) أَيْ يُعِيدُ الطَّوَافَ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْإِعَادَةَ تُسْتَحَقُّ، أَوْ تُسْتَحَبُّ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَقَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا، وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَقُصُورِهَا فِي الْحَدَثِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا فَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ وَإِنْ أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ حَيْثُ أَوْجَبَ الدَّمَ بِتَأْخِيرِهِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا وَجَبَ أَنْ يَعُودَ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ فَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ، وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ، وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ إلَّا أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَفِي الْمُحِيطِ بَعْثُ الدَّمِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةُ الْفُقَرَاءِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَ مُحْدِثًا إنْ عَادَ وَطَافَ جَازَ وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ خَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ وَكَذَا إنْ تَرَكَ الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْكُلِّ، وَالْأَكْثَرُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي طَوَافِهِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ الْأَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَدَقَةٌ لَوْ مُحْدِثًا لِلْقُدُومِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيَنْجَبِرُ بِالصَّدَقَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ مِثْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ دُونَهُ فَيَجِبُ فِيهِ دُونَ مَا يَجِبُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّدْرِ) أَيْ تَجِبُ الصَّدَقَةُ إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَكَانَ أَدْنَى مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَتَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَجِبُ فِيهِ دُونَ مَا يَجِبُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا سَوَّيْتُمْ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ فَإِنَّكُمْ أَوْجَبْتُمْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مَا أَوْجَبْتُمْ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ قُلْنَا: طَوَافُ الْقُدُومِ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَاسْتَوَيَا، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الدَّمَ هُنَا كَسَجْدَةِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي سَجْدَةِ السَّهْوِ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فَكَيْفَ اخْتَلَفَ هُنَا قُلْنَا: الْجَابِرُ مُتَنَوِّعٌ فِي الْحَجِّ فَأَمْكَنَ الْفَرْقُ، وَفِي الصَّلَاةِ مُتَّحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ طَوَافِ الرُّكْنِ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَقَلِّ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يُوجِبُ الدَّمَ مِنْ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَجَازَ حَجُّهُ وَحَلَّ إذَا حَلَقَ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فَيَلْزَمُهُ كَالنُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ جَازَ أَنْ لَا يَعُودَ وَيَبْعَثَ شَاةً لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَيْ لَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ يَعْنِي فِي حَقِّ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute