أَيْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ لِيُؤَدِّيَهَا بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ بِالشَّكِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قَبْلَ الْوَقْتِ) أَيْ صَحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَمَنْ جَوَّزَهُ قَبْلَهُ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّيَمُّمَ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ، وَلَنَا أَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي التَّيَمُّمِ لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ وَقْتٍ وَوَقْتٍ وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا يَجْرِي الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ، وَمَنْ قَيَّدَهُ بِالْوَقْتِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْوُضُوءِ فَجَازَ قَبْلَ الْوَقْتِ كَالْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَشْغَلَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِأَدَاءِ الْفَرِيضَةِ أَوْ السُّنَنِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَإِنَّ النُّصُوصَ تَنْفِيهِ وَلَا نَصَّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا يَجُوزُ وُضُوءُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ بَلْ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَلَئِنْ سُلِّمَ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ فَالْفَرْقُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ قَدْ وُجِدَ مَا يُنَافِيهَا وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ رَافِعٌ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْحَدَثُ أَوْ وُجُودُ الْمَاءِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ فَصَارَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ رُخْصَةٌ وَبَدَلُ مِثْلِهِ عَنْ الْغُسْلِ بَلْ التَّيَمُّمُ أَقْوَى فَإِنَّ الشَّارِعَ وَقَّتَ الْمَسْحَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا وَجَعَلَ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ طَهُورًا وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ.
قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عَقِيبَ الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣] وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الْجَوَازُ عَقِيبَهُ وَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: ٦] أَيْ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ فَلَا يُنَافِي جَوَازَهُ قَبْلَهُ كَمَا فِي حَقِّ الْوُضُوءِ قَبْلَهُ قَالَ (وَلِفَرْضَيْنِ) أَيْ وَصَحَّ التَّيَمُّمُ لِفَرْضَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي بِهِ فَرْضًا وَاحِدًا، وَيُصَلِّي النَّوَافِلَ تَبَعًا لَهُ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ» الْحَدِيثَ فَقَدْ جَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وُضُوءًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ مُطْلَقًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْوُضُوءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَالطَّهُورُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلطَّهَارَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُ «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عَنْ الْجَنَابَةِ مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ» لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ ظَنَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهَا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَلَا يُنْكِرُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّيَمُّمُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ، وَلَمَّا بَيَّنَ لَهُ السَّبَبَ تَرَكَهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلَيْنِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦] نَزَلَتْ فِي التَّيَمُّمِ.
قَالَ (وَخَوْفَ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ فَصَارَ الْمَاءُ مَعْدُومًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا فَجَأَتْك جِنَازَةٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمْ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى جِدَارٍ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - السَّلَامَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ إنِّي كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ الْفَوْتِ جَائِزٌ إذْ تَيَمُّمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَجْلِ خَوْفِ فَوْتِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ التَّرَاخِي لَا يَكُونُ رَدًّا لَهُ، وَهُوَ حُجَّةٌ أَيْضًا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِهِ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَفِي أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ مَبْنِيَّةً بِالْحِجَارَةِ السُّودِ، ثُمَّ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُنْتَظَرُ وَلَوْ صَلَّوْا لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرُوهُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ كَمُلَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ حَتَّى لَوْ جِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لَهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ لَمْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ) قَالَ فِي الْوَافِي نُدِبَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِرَاجِي الْمَاءَ (قَوْلُهُ عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ)؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ، وَلَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ فِي الْوَقْتِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ فَمَنْ أَثْبَتَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَقَدْ أَثْبَتَهُ بِالْقِيَاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ يَجُوزُ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَجَبَ التَّيَمُّمُ عَقِيبَ الْمَجِيءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِفَرْضَيْنِ) أَيْ فَصَاعِدًا. اهـ. رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي جَوَازَهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَقْتِ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) أَيْ بَلْ يُبِيحُ الصَّلَاةَ لِلضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. اهـ. قَوْلُهُ «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ اهـ غَايَةٌ
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَخَوْفَ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فِي الْمِصْرِ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ) أَيْ وَلِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. اهـ. نِهَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute