للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَمِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِثْلُ مَا جَنَى؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ بِإِرَاقَةٍ، وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، وَالِاعْتِبَارُ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ مُعْتَبَرٌ فِي ضَمَانِ الْمَحَالِّ كَالْقِصَاصِ، وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ الْحَرَمِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءَانِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ الْقَتْلَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، وَالْحَرَمُ لَا، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْأَقْوَى، وَتُضَافُ الْحُرْمَةُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا شَجَرُ الْحَرَمِ، وَحَشِيشُهُ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ لَا يَظْهَرُ فِي مَمْلُوكِ الْعَبْدِ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ، وَلَنَا أَنَّهُ بِدُخُولِ الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ كَمَا إذَا دَخَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ بَازٍ فَأَرْسَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَأَتْلَفَ حَمَامَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَغْرَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَاعَهُ رُدَّ الْبَيْعُ إنْ بَقِيَ وَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَيْ إذَا بَاعَ الصَّيْدَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ يَجِبُ رَدُّ بَيْعِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ فَائِتًا تَجِبُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَيَجِبُ رَدُّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لَهُ، وَالْبَيْعُ تَعَرُّضٌ فَيُرَدُّ كَبَيْعِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَبَاعَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ تَبَايَعَ الْحَلَالَانِ، وَهُمَا فِي الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالرَّمْيِ فَكَذَا بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَرَمِ وَلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لَهُ حِسًّا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ شَرْعًا فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ لَا يَضْمَنُ، وَالْبَيْعُ دُونَ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِإِمْسَاكِهِ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ فَوَجَبَ تَرْكُهُ بِإِرْسَالِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ، وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُحْرِمُونَ، وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا إرْسَالَهَا، وَبِذَلِكَ جَرَتْ أَفْعَالُ الْأُمَّةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَصَارَ إجْمَاعًا فِعْلًا، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ فِي تَرْكِهِ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي الْقَفَصِ بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ فِي مَوْضِعِهِ لَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ لَوْ أَرْسَلَهُ فِي الْمَفَازَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَائِهِ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ بِحَيْثُ لَا يَضِيعُ؛ لِأَنَّ الْقَفَصَ كَالْحِقِّ لِلدِّرَّةِ، وَمُمْسِكُ الْحِقِّ مُمْسِكٌ لِلدِّرَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي رَحْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَأَصْلُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ) أَيْ لَوْ أَخَذَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَأَرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَهُمَا) أَيْ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَدْخَلَ صَيْدًا مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَجَبَ إرْسَالُهُ، وَإِنْ ذَبَحَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الصَّيْدَ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْحِلِّ، وَإِدْخَالُهُ فِي الْحَرَمِ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ فَكَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ رِعَايَةً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ، وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيمَا تَرَخَّصَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّيْدَ إذَا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ إظْهَارُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي الْإِرْسَالِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَبِيعُونَ الْحَجَلَ وَالْيَعَاقِيبَ، وَهِيَ كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْقَيْحِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَظَهَرَ النَّكِيرُ عَلَيْهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ تَرْكَ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا بَلْ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْإِنْكَارُ لَا يَلْزَمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِذَبْحِهِ فَلِأَنَّهُ ذَبَحَ صَيْدًا يَسْتَحِقُّ الْإِرْسَالَ وَأَمَّا فَسَادُ الْبَيْعِ فَلِأَنَّ إرْسَالَهُ وَاجِبٌ.

وَالْبَيْعُ تَرْكُ الْإِرْسَالِ وَلَوْ بَاعَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ حَقَّا لِلشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِذَا بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ الْبَيْعَ إنْ بَقِيَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَلَا خَيْرَ فِيمَا يَتَرَخَّصُ فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِيرُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا أَدْخَلَهُ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ وَلَا تَجِبُ تَخْلِيَتُهُ، وَيَحِلُّ ذَبْحُهُ؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ اهـ قَوْلُهُ: وَالْيَعَاقِيبُ الْيَعْقُوبُ يَفْعُولُ ذَكَرُ الْحَجَلِ، وَالْجَمْعُ يُعَاقِبُ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِيهِ الْقَبَجُ الْحَجَلُ الْوَاحِدَةُ قَبْجَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنْ قِيلَ يَعْقُوبُ اخْتَصَّ بِالذَّكَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْحَلَالَ اهـ (قَوْلُهُ: لَوْ أَمَرَ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ) أَيْ الَّذِي فِي الْحِلِّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا الْحَلَالُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَصْلُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الضَّمَانُ لِغَيْرِ لَهْوٍ. اهـ. أَكْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>