للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَأَكَّدُ بِالسُّقُوطِ أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَطَافَ شَوْطًا ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ بِالِاتِّفَاقِ لِتَأَكُّدِهِ بِالطَّوَافِ وَلِأَنَّ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ إبْطَالَ الْعَمَلِ وَفِي رَفْضِ الْحَجِّ امْتِنَاعًا عَنْهُ فَكَانَ أَوْلَى عَلَيْهِ دَمٌ لِلرَّفْضِ أَيَّهُمَا رَفَضَ لِتَحَلُّلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ كَالْمُحْصَرِ ثُمَّ إنْ رَفَضَ الْعُمْرَةَ قَضَاهَا لَا غَيْرُ، وَإِنْ رَفَضَ الْحَجَّ قَضَاهُ وَقَضَى الْعُمْرَةَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهِ، وَفَائِتُ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ وَلَوْ قَضَى الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفَائِتِ الْحَجِّ إلَّا إذَا لَمْ يَحُجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَأَمَّا إذَا حَجَّ فَلَا كَالْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ وَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ الْمَشْرُوعِيَّةَ وَلَا تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَمُ شُكْرٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِآخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنْ حَلَقَ فِي الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْآخَرُ، وَلَا دَمَ، وَإِلَّا لَزِمَهُ، وَعَلَيْهِ دَمُ قَصْرٍ أَوَّلًا وَمَنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَّا التَّقْصِيرَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى لَزِمَهُ دَمٌ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَفَرَغَ مِنْهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ آخَرَ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَهُ الثَّانِي ثُمَّ إنْ كَانَ حَلَقَ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحْلِقْ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ حَلَقَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَحْلِقْ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى قَبْلَ الْحَلْقِ لِلْأُولَى فَعَلَيْهِ دَمٌ أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَجِّ وَقَالَا: إنْ لَمْ يَحْلِقْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الثَّانِي بَعْدَ مَا حَلَقَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَأَحْرَمَ لِلثَّانِي بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى أَحْرَمَ بِالثَّانِي لَزِمَهُ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيهِ، وَعَلَيْهِ دَمُ حَلْقٍ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالثَّانِي أَوْ لَمْ يَحْلِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَلَقَ يَكُونُ جَانِيًا عَلَى الْإِحْرَامِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ يَكُونُ مُؤَخِّرًا لِلْحَلْقِ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ حَلَقَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَلْقِ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا ثُمَّ فَرَّقَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَأَوْجَبَ فِي الْعُمْرَةِ دَمًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْأَصْلِ أَوْجَبَ الدَّمَ فِي الْحَجِّ أَيْضًا لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إحْرَامًا.

وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْإِحْرَامِ إنَّمَا كَانَ حَرَامًا لِأَجْلِ الْجَمْعِ فِي الْأَفْعَالِ؛ إذْ الْجَمْعُ فِي الْأَفْعَالِ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الثَّانِيَةِ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى الْقَابِلِ بِخِلَافِ الْعُمْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَفْعَالِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ تَأْخِيرَ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا عَلَى تَحْقِيقِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهَا إلَّا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ وُجُوبُ الدَّمِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ كَالْعُمْرَتَيْنِ، وَسُكُوتُهُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، أَوْ عُمْرَتَيْنِ لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِحْرَامِ الْأَدَاءُ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَّا أَحَدَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْآخَرُ، وَاعْتَبَرَهُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قُلْنَا: يُمْكِنُ فِي بَابِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامَيْنِ كَمَا فِي الْقَارِنِ ثُمَّ لَا يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا عِنْدَهُ حَتَّى يَسِيرَ فِي أَحَدِهِمَا إلَى مَكَّةَ، وَقِيلَ: حَتَّى يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَإِنَّمَا التَّنَافِي بَيْنَ الْأَدَاءَيْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا كَمَا فَرَغَ مِنْ إحْرَامَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ الْأَفْعَالِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا جَنَى فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ رَفَضَ عُمْرَتَهُ وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا لَا) أَيْ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَةَ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا بَعْدُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ بِتَقْدِيمِ إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِكَوْنِهِ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْقِرَانِ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ يُقَدِّمَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ ثُمَّ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ مَا لَمْ يَأْتِ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ صَارَ رَافِضًا لَهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ دَمٌ) لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ دَمُ جَبْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ وَهُوَ مَكِّيٌّ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ إلَخْ) قِيلَ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَكَانَ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: غَيْرُ مَشْرُوعٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَامِلًا كَمَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ اهـ اك (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ) عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ دُونَ النَّفْيِ اهـ اك

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَعَلَيْهِ دَمُ قَصْرٍ) أَرَادَ بِالتَّقْصِيرِ الْحَلْقَ إلَّا أَنَّهُ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) لَفْظَةُ لِمَا بِاللَّامِ لَا بِالْكَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَكَذَلِكَ إذَا أُحْصِرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَحْتَاجُ إلَى هَذَيْنِ لِلتَّحَلُّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اهـ اك

(قَوْلُهُ صَارَ رَافِضًا لَهَا) أَيْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا؛ إذْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>