كَانَ فِيهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَلَقَ وَأَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ لِيُعْرَفَ اسْتِحْكَامُ عَزِيمَتِهِ عَلَى الِانْصِرَافِ وَيَأْمَنَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ فَلَا يَشْتَغِلُونَ بِمَكِيدَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الصُّلْحِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَذْبَحَ أَوْ يَطُوفَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحِلُّ بِالصَّوْمِ بِأَنْ يُقَوِّمَ شَاةً وَسَطًا فَيَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِصَوْمِ الْمُتْعَةِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] أَنْهَى الْحُرْمَةَ إلَى غَايَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ قَبْلَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ دَمًا لِحَجَّتِهِ وَدَمًا لِعُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِإِحْرَامِهِمَا فَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ عَنْهُمَا، وَلَوْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ تَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَتَوَقَّفُ بِالْحَرَمِ لَا بِيَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ دَمُ الْإِحْصَارِ يَتَوَقَّتُ بِالْحَرَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ ذَبْحُهُ فِي غَيْرِهِ وَلَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى جَازَ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَبِالْمَكَانِ، وَهُوَ الْحَرَمُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ، وَأَمَّا دَمُ الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لَا تَتَوَقَّتُ فِيهِ فَكَذَا الْهَدْيُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ هَذَا دَمٌ يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْحَلْقِ فِي الْحَجِّ وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] ذَكَرَهُ مُطْلَقًا وَالتَّقْيِيدُ بِالزَّمَانِ نَسْخٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِالْمَكَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلْإِحْلَالِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ وَدَمُ الْكَفَّارَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَبِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ فِي أَوَانِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ وَهَذَا الدَّمُ قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَتَوَقَّتُ بِالزَّمَانِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ شَارِعٌ فِي الْحَجِّ لَا غَيْرُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ كَالْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ وَلَنَا أَنَّهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِالشُّرُوعِ وَتَلْزَمُهُ الْعُمْرَةُ لِلتَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ فَإِنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا قَضَاهَا فَكَذَا هَذَا وَلَا يَقُومُ الدَّمُ مَقَامَ الْعُمْرَةِ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَيَنْعَقِدُ لَازِمًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِالْتِزَامَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْحَجِّ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَدَّى الْفَرْضَ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِمَا مُسْقِطًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِمَا مُلْتَزِمًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ، وَهَذَا لَمْ يَقْضِ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا أَقْضَاهُ فِيهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَأَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ لِيُعْرَفَ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِتَخْفِيفِهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قَارِنًا بَعْضُ دَمَيْنِ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا لِلْعُمْرَةِ وَالْآخَرِ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْيِينٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ. اهـ. كَاكِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ شُرِعَ لِلتَّحَلُّلِ، وَالتَّحَلُّلُ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ يَقَعُ بِتَحَلُّلٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ بَعْدَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا كَالْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا صَارَ قُرْبَةً بِسَبَبِ التَّحَلُّلِ فَكَانَ قُرْبَةً لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا لِعَيْنِهِ فَيَنُوبُ الْوَاحِدُ عَنْ اثْنَيْنِ كَالطَّهَارَةِ الْوَاحِدَةِ تَكْفِي لِلصَّلَوَاتِ الْكَثِيرَةِ كَالتَّسْلِيمِ الْوَاحِدِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِلتَّحَلُّلِ عَنْ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَأَمَّا الْهَدْيُ شُرِعَ لِلتَّحَلُّلِ إلَّا أَنَّهَا قُرْبَةٌ بِنَفْسِهَا، وَمَا شُرِعَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً بِنَفْسِهَا فَلَا يَنُوبُ الْوَاحِدُ عَنْ اثْنَيْنِ كَأَفْعَالِ الصَّلَاةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ هَذَا السُّؤَالُ أَوْرَدَهُ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا فَقَالَ: وَلَا يُقَالُ: دَمُ الْإِحْصَارِ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَلْقِ، وَيَتَحَلَّلُ الْقَارِنُ بِالْحَلْقِ الْوَاحِدِ عَنْ الْإِحْرَامَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْزِيَ الْهَدْيُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: جِهَةُ الْكَفَّارَةِ فِيهِ رَاجِحَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ أَكْلُهُ مِنْ دَمِ الْإِحْصَارِ وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَارِنِ لِجِنَايَتِهِ عَلَى الطَّرَفَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» فِي الصَّحِيحِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ) وَأَمَّا التَّعْيِينُ بِالْمَكَانِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) بَيَانُهُ أَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَمَّا كَانَ مُؤَقَّتًا بِالْمَكَانِ صَارَ مُؤَقَّتًا بِالزَّمَانِ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ مُؤَقَّتٌ فِي الْحَجِّ مُؤَقَّتٌ بِالْمَكَانِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِالزَّمَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. كَيْ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) فَإِنْ قِيلَ: الْعُمْرَةُ فِي فَائِتِ الْحَجِّ لِلتَّحَلُّلِ وَهَا هُنَا تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْعُمْرَةِ قُلْنَا الْهَدْيُ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ لَا يُسْقِطُ الْعُمْرَةَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِحْصَارِ لِمَا أَنَّ الْمُحْصَرَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، كَذَا ذَكَرَهُ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الدِّينِ، وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْهَدْيُ شُرِعَ لِتَعْجِيلِ التَّحَلُّلِ عَنْ الْإِحْرَامِ لَا لِلتَّحَلُّلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا تَوَقُّفَ تَحَلُّلِهِ بِالْعُمْرَةِ يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِهِ لِعَجْزِهِ عَنْهَا بِوَاسِطَةِ الْإِحْصَارِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ الْهَدْيُ شُرِعَ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى تَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْفَوَاتِ تَحَلَّلَ بِالْأَفْعَالِ بِلَا دَمٍ وَلَا عُمْرَةٍ فِي الْقَضَاءِ اهـ (قَوْلُهُ: كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ) وَذَكَرَهُ الرَّازِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ. اهـ. فَتْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute