للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ)، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ صِيَانَةً لَهَا عَنْ السِّفَاحِ، وَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاضِيًا لِشَهْوَتِهِ وَالْعَزْلُ يُخِلُّ بِهِ فَشُرِطَ فِيهِ رِضَاهَا كَمَا فِي الْحُرَّةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا مُطَالَبَةَ لَهَا فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا وَلِلْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهَا وَلَهُ أَنَّ الْأَمَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ حَقًّا لَهَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَإِنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَةِ سَيِّدِهَا بِالتَّزْوِيجِ وَهُوَ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الْوَلَدُ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا حَقُّ الْأَمَةِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ عِنِّينًا لَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الْخُصُومَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَوْلَاهَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ الْعَزْلُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بِرِضَا امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ بِرِضَا مَوْلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ وَفِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنُ يُنَزَّلُ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا» قَالَ جَابِرٌ لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا الْقُرْآنُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا وَأَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى قَالَ كَذَبَتْ يَهُودُ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْت أَنْ تَصْرِفَهُ» قَالُوا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَسَعُهَا أَنْ تُعَالِجَ لِإِسْقَاطِ الْحَبَلِ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، ثُمَّ إذَا عَزَلَ وَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ هَلْ يَجُوزُ نَفْيُهُ قَالُوا إنْ لَمْ يَعُدْ إلَى وَطْئِهَا أَوْ عَادَ بَعْدَ الْبَوْلِ جَازَ لَهُ نَفْيُهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ خُيِّرَتْ، وَلَوْ زَوْجُهَا حُرًّا) وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَهَا وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ بِخِلَافِ الْحُرِّ.

وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ لِازْدِيَادِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ وَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي» فَجَعَلَ عِلَّةَ الْخِيَارِ مِلْكَهَا بُضْعَهَا فَلَا نَشْتَغِلُ بِالتَّعْلِيلِ بَعْدَ تَعْلِيلِ صَاحِبِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ) أَيْ عَزْلِ الْمَاءِ عَنْ الْأَمَةِ فِي الْجِمَاعِ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ إلَيْهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ حَقُّهَا لَا حَقُّ مَوْلَاهَا وَلِهَذَا كَانَ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ فَصَارَتْ كَالْحُرَّةِ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّهَا حَتَّى يَثْبُتَ لَهَا وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ وَفِي الْعَزْلِ تَنْقِيصُ حَقِّهَا فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا اهـ. قَوْلُهُ: وَفِي الْعَزْلِ تَنْقِيصُ حَقِّهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: تَنْقِيصُ حَقِّهَا أَيْ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ قَالُوا مُطَالَبَةُ الْوَطْءِ لَهَا مِنْ الزَّوْجِ قَضَاءً مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَأَمَّا دِيَانَةً فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ اهـ. وَفِي قَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِ الْإِمَامِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْتَبَرُ) أَيْ فِي الْعَزْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا قَالُوا الْخُصُومَةُ لِلْمَوْلَى أَوْ لَهَا عَلَى الْخِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا حَقُّ الْأَمَةِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا حَقُّهَا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحُرَّةِ) أَيْ فَإِنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَلَدِ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا) قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّخْلِيقِ نَفْخَ الرُّوحِ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيقَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ عَادَ) أَيْ عَزَلَ فِي الْعَوْدِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبَوْلِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ بَعْدَ غَسْلِ الذَّكَرِ اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يَبُلْ لَا يَجُوزُ نَفْيُهُ اهـ. كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْمَنِيِّ فِي ذَكَرِهِ يَسْقُطُ فِيهَا وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ قَبْلَ الْبَوْلِ، ثُمَّ بَالَ فَخَرَجَ الْمَنِيُّ وَجَبَ إعَادَةُ الْغُسْلِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ تَخْرُجُ وَتَدْخُلُ وَيَعْزِلُ عَنْهَا الْمَوْلَى فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ وَأَكْبَرُ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ نَفْيِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً لَا يَسَعُهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْزِلُ فَيَقَعُ الْمَاءُ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَزْلِ اهـ.

فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ أَعْتَقَتْ أَمَةً إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي لَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا مَهْرَ لِأَحَدٍ إنْ كَانَ الْعِتْقُ وَالِاخْتِيَارُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَإِنْ اخْتَارَتْ الزَّوْجَ فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: خُيِّرَتْ) وَخِيَارُهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ عِنْدَنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا هُوَ بِرِضَاهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا) أَيْ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِازْدِيَادِ الْمِلْكِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ حِلَّ الْحُرَّةِ أَوْسَعُ مِنْ حِلِّ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ يَمْلِكُ الزَّوْجَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي مَرَّتَيْنِ وَكَانَتْ عِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ فَازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَأَثْبَتَ الشَّرْعُ لَهَا الْخِيَارَ بِرَفْعِ أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ رَفْعِ الضَّرَرِ إلَّا بِرَفْعِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَمْنَعُهَا زَوْجُهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَذَلِكَ ازْدِيَادُ الْمِلْكِ أَيْضًا اهـ.

أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابُنَا تَارَةً يُعَلِّلُونَهُ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُصُ بِثِنْتَيْنِ فَازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالرِّجَالِ لَا بِالنِّسَاءِ كَأَنَّهُ اعْتِمَادٌ عَلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَتَارَةً بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ وَهُوَ مِلْكُهَا بُضْعَهَا اهـ. مِنَحٌ (قَوْلُهُ: فَجَعَلَ عِلَّةَ الْخِيَارِ مِلْكَهَا بُضْعَهَا) وَإِذًا فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَيَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ إظْهَارَ حِكْمَةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>