للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَيْسَ لَك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك وَسَبَّعْت لِنِسَائِي»؛ وَلِأَنَّهَا لَمْ تَأْلَفْ صُحْبَةَ زَوْجِهَا بَعْدُ وَلَعَلَّهُ يَحْصُلُ لَهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ نَفْرَةٌ فَكَانَ فِي الزِّيَادَةِ إزَالَتُهَا وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَفْضِيلِ بَعْضَهُنَّ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ جَازَ تَفْضِيلُ الْبَعْضِ لَكَانَتْ الْقَدِيمَةُ أَوْلَى لِمَا وَقَعَ لَهَا مِنْ الْكَسْرِ وَالْوَحْشَةِ وَإِدْخَالِ الْغَيْظِ وَالْغَيْرَةِ بِسَبَبِ إدْخَالِ الضَّرَّةِ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ التَّفْضِيلُ بِالْبُدَاءَةِ بِالْجَدِيدَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ.

وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا طَلَبَتْ الزِّيَادَةَ يَسْقُطُ حَقُّهَا، بَلْ هُوَ نَصٌّ عَلَى التَّسْوِيَةِ ابْتِدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْوِي فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «إنْ شِئْت ثَلَّثْت لَك وَثَلَّثْت لَهُنَّ» فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي السَّبْعِ لَا لِطَلَبِهَا الزِّيَادَةَ؛ وَلِأَنَّ الْقَسْمَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَهُنَّ فِيهِ سَوَاءٌ وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهِ، وَالتَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقَسْمِ الْإِقَامَةُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَالْمُعَاشَرَةُ مَعَهَا وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرْأَةُ الرَّتْقَاءُ وَغَيْرُهَا وَالصَّبِيُّ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ كَالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْأَمَةِ فِي الْقَسْمِ، وَهَذَا لِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ فَأَظْهَرُ فِي حُقُوقِهِ مِنْ الْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ وَفِي حَقِّ الْإِدْخَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إدْخَالُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَجُوزُ وَفِي الْغَايَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقَالَ فِيهِ اتَّفَقُوا عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي النَّفَقَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَكَيْفَ يُدَّعَى الِاتِّفَاقُ فِيهَا عَلَى التَّسْوِيَةِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ حَالَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْأَمَةِ يَوْمًا فَأَعْتَقَتْ يُقِيمُ عِنْدَ الْحُرَّةِ يَوْمًا، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْحُرَّةِ، ثُمَّ عَتَقَتْ الْأَمَةُ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَتِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُنْقِصَ قَدْ زَالَ وَفِي الْأُولَى خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسَافِرُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ).

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ وَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا» وَرُوِيَ «أَيَّتُهَا خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَنَا أَنَّهُنَّ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي حَالَةِ السَّفَرِ حَتَّى كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ لَا يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَوْ أَكْثَرَ بِلَا إذْنٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا وَلَا قُرْعَةَ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِبَعْضِهِنَّ لِمَرَضٍ بِهَا أَوْ سِمَنٍ أَوْ كَثْرَةِ أَوْلَادٍ، وَقَدْ يَأْتَمِنُ بَعْضَهُنَّ فِي حِفْظِ الْأَمْتِعَةِ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي تَرْكِهَا فِي الْبَيْتِ وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ التَّسْوِيَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ تَفَضُّلًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ» قَالَ عَطَاءٌ هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: ٥١] فَكَانَ مِمَّنْ يُؤْوِي عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ وَحَفْصَةُ وَمِمَّنْ أَرْجَأَ سَوْدَةُ وَجُوَيْرِيَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةُ وَمَيْمُونَةُ، ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِهِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْفِعْلَ أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ حَتَّى لَا يَقْضِيَ لِبَقِيَّةِ نِسَائِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي إذَا سَافَرَ بِهَا مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي السَّفَرِ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ لَمَا سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِهِ فِي الْحَضَرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَهْرًا فِي الْحَضَرِ وَرَافَقَتْهُ الْأُخْرَى لَمْ يُؤْمَرْ بِقَضَاءِ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ أَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: «إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك» إلَخْ)، وَهَذَا دَلِيلُ اسْتِثْنَاءِ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهَا وَيُحْسَبُ عَلَيْهَا بِالْمُدَّةِ إنْ طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثِ اهـ.

فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ التَّفْضِيلُ إلَخْ) وَنَحْنُ نَقُولُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْجَدِيدَةِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَى الزَّوْجِ) يَعْنِي إنْ شَاءَ ثَلَّثَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ سَبَّعَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهَا) أَيْ إنْ شَاءَ يَوْمًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ عَلَى صِرَافَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ سَنَةً مَا يُظَنُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُطْلَقَ لَهُ مِقْدَارُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ لِلتَّأْنِيسِ وَدَفْعِ الْوَحْشَةِ وَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ الْقَرِيبَةُ وَأَظُنُّ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ مُضَارَّةً إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ التَّسْوِيَةُ دُونَ طَرِيقِهَا مَا نَصُّهُ يَعْنِي لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُولَ لَهُ بِتْ عِنْدِي لَيْلَةً، وَعِنْدَ صَاحِبَتِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُوَ التَّسْوِيَةُ لَا طَرِيقُهَا وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ طَرِيقُهَا مَا نَصُّهُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ طَرِيقُهُ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ دُونَ طَرِيقِهَا مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهَا مُفَوَّضٌ إلَى الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَسْمَ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ) وَصَحَّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرِضَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَذِنَّ لَهُ» اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ) يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا مَعَ الْحُرَّةِ وَلَا بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَحِلُّ قَبْلَهَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْغَايَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ إلَخْ) مُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ التَّسْوِيَةُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَا فِي كَمِّيَّتِهَا فَسَقَطَ النَّظَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِي إذَا سَافَرَ بِهَا إلَخْ) يَعْنِي إذَا سَافَرَ بِإِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ شَهْرًا مَثَلًا لَا يُؤْمَرُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأُخْرَى شَهْرًا آخَرَ، بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْحَضَرِ ابْتِدَاءً اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْمَرْ بِقَضَاءِ مَا مَضَى) وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقَضَاءِ إذَا طَلَبَتْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إيفَائِهِ اهـ.

كَمَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>