للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَعْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنُشُوزِ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ كَمَا فِي السَّفَرِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» كَانَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَالرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ تُحَرِّمُ فَجَعَلَهُ مَنْسُوخًا، حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَنَسْخُهُ بِالْكِتَابِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ أَحَادِيثُ عَائِشَةَ مُضْطَرِبَةٌ فَوَجَبَ تَرْكُهَا وَالرُّجُوعُ إلَى كِتَابِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ ابْنُ زَيْدٍ مَرَّةً عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَرَّةً عَنْ عَائِشَةَ وَمَرَّةً عَنْ أَبِيهِ وَمِثْلُهُ يَسْقُطُ أَوْ نَقُولُ إنَّمَا لَمْ تُحَرِّمْ الْمَصَّةُ وَالْإِمْلَاجَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا يَنْفَصِلُ اللَّبَنُ بِهَا لِضَعْفِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْمَصُّ وَالرَّضْعَةُ رِوَايَةً بِالْمَعْنَى عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الرَّاوِي؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الرَّضْعَةَ هِيَ الْمَصَّةُ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي خَمْسِ رَضَعَاتٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَحَالَتْهَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ، وَقَالَتْ وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَوَاجِنُ فَأَكَلَتْهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ وَلَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ وَلَا إثْبَاتُهُ فِي الْمُصْحَفِ وَلَا يَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِهِ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَنَا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا عِنْدَنَا فَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِالْمَشْهُورِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُشْتَهَرْ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قُرْآنًا لَكَانَ مَتْلُوًّا الْيَوْمَ إذْ لَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ الْعَشْرُ وَالْخَمْسُ كَانَ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ نُسِخَ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قِيلَ لَهُ إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِالرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ فَقَالَ قَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قَضَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ فِي الْمَهْدِ كَمَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَقَوْلُهُ فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَيَانٌ لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا مُدَّتُهُ سَنَتَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثُ سِنِينَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا حَدَّ لَهُ لِلنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ وَلَنَا أَنَّ إرْضَاعَ الْكَبِيرِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ وَلَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ» وَرُدَّ لِرَدِّ إرْضَاعِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لِلْكَبِيرِ بِالرَّضَاعِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ وَلِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّضِيعَ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَوُّلُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَى الطَّعَامِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَلِهَذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ بِهِ وَعُلِّقَ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] وَهَذَا صِيغَتُهُ خَبَرٌ وَالْمُرَادُ بِهِ أَمْرٌ وَهُوَ أَبْلَغُ وُجُوهِ الْأَمْرِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ الْإِتْمَامِ وقَوْله تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤] وَلَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ لِمَا رَوَيْنَا وقَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَبَقِيَ لِلْفِصَالِ حَوْلَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ هَذِهِ الْآيَةُ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلدِّينَيْنِ بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصَيْنِ أَوْ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْحَمْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا هُوَ الْحَمْلُ بِالْيَدِ وَالْحِجْرِ؛ لِأَنَّ الْمُنْقِصَ قَدْ قَامَ فِي حَقِّ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعِدَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْفِطَامَ لَا يَحْصُلُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ يَحْصُلُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْسَى اللَّبَنَ وَيَتَعَوَّدَ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِمُدَّةِ الْفِطَامِ فَقَدَّرْنَاهَا بِأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ تَغَيُّرِ الْغِذَاءِ فَإِنَّ الْجَنِينَ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَيَتَغَذَّى بِغِذَاءِ الْأُمِّ، ثُمَّ يَنْفَصِلُ وَيَصِيرُ أَصْلًا فِي الْغِذَاءِ وَالنَّصُّ الْمُقَيِّدُ بِحَوْلَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضَاعِ الْمُسْتَحَقِّ حَتَّى لَا يُسْتَحَقَّ عَلَى الْوَالِدِ نَفَقَةُ الْإِرْضَاعِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ أُجْرَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْفِصَالَ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ فِصَالُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَبِ لَا فِصَالُ مُدَّةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَمْرٌ مُبْطَنٌ فِيهِ خَفَاءٌ وَالرَّضَاعُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فَأُقِيمَ مَقَامَ الْأَمْرِ الْخَفِيِّ فَتَعَلَّقَ حُكْمُ الْحُرْمَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِرْضَاعِ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ نَشَزَ الشَّيْءُ أَيْ ارْتَفَعَ وَأَنْشَزَهُ فَنَشَزَ أَيْ حَرَّكَهُ، وَقَالَ ثَعْلَبُ فِي أَمَالِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة: ٢٥٩] نَرْفَعُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْإِنْشَارُ الْإِحْيَاءُ وَفِي التَّنْزِيلِ {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: ٢٢] وَمِنْهُ الْإِرْضَاعُ إلَّا مَا أَنْشَرَ الْعَظْمُ أَيْ قَوَّاهُ كَأَنَّهُ أَحْيَاهُ وَيُرْوَى بِالزَّايِ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ) بِفَتْحِ الطَّاءِ يُقَالُ رَجُلٌ مُبْطَنٌ أَيْ خَمِيصُ الْبَطْنِ وَأَرَادَ هُنَا الْخَفِيَّ مَجَازًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي ثَلَاثِينَ شَهْرًا) فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ رَضَاعًا سَوَاءً فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بَيَانٌ لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ) أَيْ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّحْرِيمُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا مُدَّتُهُ سَنَتَانِ) أَيْ سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ اهـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ، وَقَالَا إلَخْ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثُ سِنِينَ) أَيْ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ رَضَاعًا سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُثْبِتُ الرَّضَاعَ إلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِلتَّحَوُّلِ) أَيْ صَالِحٌ لِتَغَيُّرِ الطَّبْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ إلَخْ) وَالرَّبِيعُ أَوْفَقُ الْفُصُولِ؛ لِأَنَّهُ حَارٌّ رَطْبٌ طَبْعُ الْحَيَاةِ وَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ طَبْعُ الْمَوْتِ وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ) أَيْ وَهُمَا الْحَمْلُ وَالْفِصَالُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَضَرَبَ لَهُمَا مُدَّةً) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: ثَلَاثُونَ شَهْرًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصَيْنِ) بِأَنْ قَالَ أَجَّلْت الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ وَالدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ سَنَةً يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السَّنَةَ بِكَمَالِهَا لِكُلٍّ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ إلَى سَنَةٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ يُتِمُّ أَجَلَهُمَا جَمِيعًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>