للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَمِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ تَطُلْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا؛ لِأَنَّ اتِّسَاعَ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِنَّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يُبَاحُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ». وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إلَّا مِنْ رِيبَةٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١]، وَقَالَ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: ٢٣٦] وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ «وَطَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ» وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ مُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَقَامَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ صَفًّا فَقَالَ أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الْأَخْلَاقِ نَاعِمَاتُ الْأَرْزَاقِ طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ الطَّلَاقُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَثَلَاثًا فِي أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَلَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا لِدَفْعِ حَاجَةِ التَّخَلُّصِ عَنْهَا بِتَنَافُرِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْبِدْعِيُّ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا بِحَسَبِ الْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجُمْلَةٍ أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَبِحَسَبِ الْوَقْتِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنِّيَّ الْمَسْنُونَ وَهُوَ كَالْمَنْدُوبِ فِي اسْتِعْقَابِ الثَّوَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَاحُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَمَعْنَى الْمَسْنُونِ مِنْهُ مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهَا أَوْ حَائِضًا أَوْ ثَلَاثًا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ وَالْوَاحِدَةُ تَقُولُ إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْخَالِي، بَلْ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ امْتِنَاعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ الْكَفُّ غَيْرُ فِعْلِ الْإِيقَاعِ، وَلَيْسَ الْمَسْنُونُ يَلْزَمُ تِلْكَ الْحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ الْخَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَةُ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ سَمَّيْنَاهُ طَلَاقًا مَسْنُونًا مَعَ انْتِفَاءِ سَبَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَ تَهَيُّؤِ أَسْبَابِهَا وَقِيَامِ دَاعِيَتِهَا، وَهَذَا كَمَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ مَعَ الْكَفِّ عَنْهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَطَلَبُ النَّفْسِ لَهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ وَكَفَّ تَجَافِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أُثِيبَ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ) أَيْ حَيْثُ يُمْكِنُهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا بِلَا تَخَلُّلِ زَوْجٍ آخَرَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] أَيْ تَبْدُو لَهُ مُرَاجَعَتُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ إلَخْ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهَا يَسَعُهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا سَرَّحَهَا بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ لَهَا مَهْرَهَا وَنَفَقَةَ عِدَّتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ النِّكَاحِ كَثِيرَ الطَّلَاقِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لِأَنِّي أُحِبُّ الْغِنَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَمَعَ الْغِنَى فِي هَذَيْنِ يَعْنِي النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ، أَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٢]. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] اهـ.

كُبْرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ إنْ أَوْفَاهَا الْمَهْرَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ وُسِّعَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ اهـ. (قَوْلُهُ: «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْغَضُ الْحَلَالِ» إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَأَمَّا وَصْفُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» فَنَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَكَوْنِهِ مَبْغُوضًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ لَازِمِ الْمَكْرُوهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُغْضِ إلَّا لَوْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِبَاحَةِ لَكِنَّهُ وَصَفَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ مَا رَتَّبَ عَلَى الْمَكْرُوهِ اهـ.

قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي مِنْ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ فِي التَّنْزِيهِ وَالْعِقَابِ فِي كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يُطَلِّقُونَ إلَخْ) فَإِنَّ عُمَرَ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ وَابْنُ عَوْفٍ طَلَّقَ تَمَاضُرَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَتَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِإِيقَاعِهِ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ أَنْ يَكْتُبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا وَأَنْتِ طَاهِرَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، ثُمَّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَقَدْ مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً انْقَضَتْ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَبِالطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بَانَتْ وَوَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ) أَيْ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِدْعَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك إلَخْ)، ثُمَّ الْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَيَّنُ مَا دُونَهُ وَهُوَ السُّنَّةُ فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى الْأَطْهَارِ سُنَّةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا نَقِيضُ السُّنَّةِ، وَقَدْ «شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّطْلِيقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ» كَمَا تَرَى وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُسْنُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ قَضِيَّةِ حُكْمِ الْأَمْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّبْيِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>