يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ لَهُ تَخْيِيرُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَأَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ) أَيْ فَرَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى أَشْهُرِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَمْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ فُصُولُ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لِإِقَامَتِهَا مَقَامَ فُصُولِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الْحَيْضُ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ فَيُفَرِّقُ عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي حَقِّ الْحَامِلِ يُفَرِّقُ عَلَى الْأَشْهُرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَشْهُرُ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا لِتَتَجَدَّدَ الرَّغْبَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، ثُمَّ قِيلَ: الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ الْحَيْضُ دُونَ الطُّهْرِ إلَّا أَنَّ تَكَرُّرَ الْحَيْضِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ تَخَلُّلِ الطُّهْرِ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ ضَرُورَةً وَانْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِحَيْضَةٍ.
وَكَذَا الْفَصْلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْإِيقَاعِ قُبَيْلَ الْحَيْضَةِ وَبَعْدَهَا فَيُقَامُ مَقَامَ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فِي أَيِّ شَهْرٍ وَقَعَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْفُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ فَإِنَّ ذَاتَه طُهْرٌ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَإِلَّا لَزِمَ الطَّلَاقُ فِي حَيْضٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إلَّا فِي حَقِّ لُزُومِ الْحُجَّةِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا، وَلَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ، ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِلسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ الْحَائِضَ، ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِتَبَدُّلِ الْحَالِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَاتُ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ) أَيْ جَازَ طَلَاقُ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَالْحَامِلِ عَقِيبَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ كَمَا يُفْصَلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِتَجَدُّدِهَا كَذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ يَدْعُو إلَى إمْسَاكِهَا لِمَكَانِ الْوَلَدِ مِنْهَا. وَلَنَا أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا وَصَارَتْ كَالْحَامِلِ، وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ كَثُرَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهِ فَصَارَتْ كَالْحَامِلِ عَلَى مَا مَرَّ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ أَوْ الْحَبَلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ وَهُوَ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ ثَمَانٌ وَسَبْعٌ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ كِبَرٍ) بِأَنْ كَانَتْ آيِسَةً بِنْتَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ أَوْ لَا لَهُمَا بِأَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَغَيْرُهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَحْدَهُ وَلَئِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ، بَلْ يَكْفِي إقَامَةُ شَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ ثَلَاثِ حِيَضٍ تَحْصُلُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ) أَيْ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا) أَيْ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا فِي التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي التَّفْرِيقِ أَيْ تَفْرِيقِ الطَّلْقَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يُطَلِّقُ الثَّانِيَةَ فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، بَلْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مُعْتَبَرٌ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِمُضِيِّ تِسْعِينَ يَوْمًا، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَقَوْلُهُ: فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى تُعْتَبَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ بِالْإِجْمَاعِ يُخَالِفُ نَقْلَ الْخِلَافَ اهـ. فَتْحٌ (تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ نَاقِصًا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ كَامِلًا اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا نَاقِصَةً كَانَتْ أَوْ كَامِلَةً وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ تُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَيَّامِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِالْأَهِلَّةِ، وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْهُرِ الْأَهِلَّةُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِتَكْمِيلِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَسْمَاءِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مُدَّةَ جُمَادَيَيْنِ وَرَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَهِلَّةُ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْأَهِلَّةُ صَارَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَنْقَضِي هَذَا الشَّهْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْ الْآخَرِ أَيَّامٌ ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْآخَرُ مِنْ حِينِ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ) أَيْ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ اهـ. فَتْحٌ