إنْ كَانَ عَالِيًا عَلَى خَرْقِ الْفَرْجِ أَوْ مُحَاذِيًا لَهُ فَهُوَ حَدَثٌ وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَإِنْ كَانَ مُتَسَفِّلًا فَلَا حَتَّى تَنْفُذَ الْبِلَّةُ إلَى الْخَارِجِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ وَإِنْ سَقَطَ الْكُرْسُفُ فَهُوَ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَحَدَثٌ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا) أَيْ الْحَيْضُ يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقْضِيهِ دُونَهَا) أَيْ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ سَأَلْت عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقُلْت مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْت لَسْت بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ؛ وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا لِتَكَرُّرِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَكْرَارُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا وَاحِدًا وَالْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ عَادَةً فِي الشَّهْرِ إلَّا مَرَّةً فَلَا حَرَجَ، وَكَذَا فِي النِّفَاسِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْحَيْضِ لِطُولِهِ فَيَلْحَقُهَا الْحَرَجُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ دُونَ الصَّوْمِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدُخُولَ مَسْجِدٍ وَالطَّوَافَ) أَيْ يَمْنَعُ الْحَيْضُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ تَمْنَعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ دُونَ اللُّبْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣]، ثُمَّ قَالَ {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] مَعْنَاهُ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ إذْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اللُّبْثُ فِيهِ إجْمَاعًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ كَالْحَائِضِ لِعِلَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَجِسٌ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ إمَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ قَالَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ مَعْنَى الْآيَةِ وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ جُنُبٌ إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ أَيْ مُسَافِرِينَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْمُرَادُ بِعَابِرِي السَّبِيلِ الْمُسَافِرُونَ إذَا لَمْ يَجِدُوا الْمَاءَ يَتَيَمَّمُونَ وَيُصَلُّونَ بِهِ، وَقَوْلُهُ مَعْنَاهُ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ قُلْنَا هَذَا مَجَازٌ وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ اللَّبْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أَيْ أَهْلَهَا لَا عِنْدَ اللَّبْسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ جَاءَنِي زَيْدٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ غُلَامَ زَيْدٍ لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَقِيقَةُ الصَّلَاةِ لَا مَوَاضِعُهَا إذْ لَا مَنْعَ مِنْ قُرْبَانِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ فِي الصَّحْرَاءِ إجْمَاعًا عَلِمُوا مَا يَقُولُونَ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَقَوْلُهُ وَلَا جُنُبًا عَطْفٌ عَلَيْهِ أَيْ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ جُنُبًا فَكَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَغْتَسِلُوا كَمَا نَهَاهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يَقُولُونَ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ قُلْنَا عُبُورُ السَّبِيلِ هُوَ السَّفَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَفِي الصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِهِ عُبُورَ سَبِيلٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَهُوَ حَدَثٌ) أَيْ لِظُهُورِ الْبِلَّةِ وَعَلَى هَذَا إذَا حَشَى الرَّجُلُ إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْقُطْنَةِ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ وَإِنْ نَفَذَتْ الْبَلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِرَأْسِ الْإِحْلِيلِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَفِّلَةً لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَالِيًا) أَيْ خَارِجًا عَنْهُ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا) هَذَا بَيَانُ أَحْكَامِهِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ: ثَمَانِيَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيْضِ فَأَمَّا الْمُشْتَرَكَةُ فَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَا إلَى قَضَاءٍ وَتَرْكُ الصَّوْمِ إلَى قَضَاءٍ وَحُرْمَةُ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ وَحُرْمَةُ الطَّوَافِ وَحُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ وَحُرْمَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحُرْمَةُ جِمَاعِهَا وَالثَّامِنُ وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَأَمَّا الْمُخْتَصَّةُ فَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَالْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا وَالْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ لَا يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْحَيْضِ كَمَا يَجُوزُ مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفُّ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَنَابَةِ مَوْجُودٌ فَيَجُوزُ الصَّوْمُ وَفِي الْحَيْضِ الْكَفُّ عَنْهَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَا يُوجَدُ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْجِمَاعِ فِيهِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: أَحَرُورِيَّةٌ) قَالَ فِي الْمَنْبَعِ وَإِنَّمَا قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ يَرَوْنَ قَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَائِضِ عَلَى خِلَافِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَقِيلَ كَانَ سُؤَالُهَا سُؤَالَ تَعَنُّتٍ اهـ مَنْسُوبَةٌ إلَى حَرُورَا قَرْيَةٍ بِالْكُوفَةِ بِهَا أَوَّلُ اجْتِمَاعِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ تَعَمَّقُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْهُ فَمَنْ تَعَمَّقَ فِي السُّؤَالِ نُسِبَ إلَيْهِمْ وَكَأَنَّهُ خَارِجِيٌّ فَيُنْسَبُ إلَى قَرْيَتِهِمْ (قَوْلُهُ: بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. اهـ. مَنْبَعٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدُخُولُ مَسْجِدٍ وَالطَّوَافُ) فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ حَرَامًا فَالطَّوَافُ أَوْلَى فَمَا الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ قُلْت لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهَا الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ الطَّوَافُ أَوْلَى اهـ عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَإِنْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَجْنَبَ قِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَتَيَمَّمَ وَقِيلَ يُبَاحُ. اهـ. اخْتِيَارٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يُنْزِلَ لَهُمْ رُخْصَةً فَخَرَجَ إلَيْهِمْ بَعْدُ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» اهـ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ وَيُقَالُ فُلَيْتٌ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ إسْنَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُصَلُّونَ بِهِ) كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ غَيْرَ مُغْتَسِلِينَ حَتَّى تَغْتَسِلُوا إلَّا أَنْ تَكُونُوا مُسَافِرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ