للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَغْتَسِلْنَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] وَهَذَا يَقْتَضِي قِيَامَ الْحَيْضِ بِهِنَّ فَصَارَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَطْءَ الْحَائِضِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِحَائِضٍ؛ وَلِأَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا صَارَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ لِحِلِّ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا فِي الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ دَلَالَةً؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ بِلَا اغْتِسَالٍ وَلَا تَيَمُّمٍ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ النَّظِيفِ فَلَأَنْ يَجُوزَ الْوَطْءُ أَوْلَى وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا تَلَى؛ لِأَنَّهَا قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَهَذَا يَقْتَضِي انْقِطَاعَ الدَّمِ لَا غَيْرُ، فَتَكُونُ قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ مَحْمُولَةً عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَالتَّخْفِيفُ عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَقَوْلُهُ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ وَهُوَ مَا إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ الْوَقْتِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الِاغْتِسَالِ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ فَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي ذِمَّتِهَا مَا لَمْ تُدْرِكْ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الْوَقْتِ وَلِهَذَا لَوْ طَهُرَتْ قُبَيْلَ الصُّبْحِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَكَأَنَّهَا أَصْبَحَتْ وَهِيَ حَائِضٌ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا وَالنَّصْرَانِيَّةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ حَلَّ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا، وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ اهـ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَاصِلُهُ إمَّا أَنْ يَنْقَطِعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ أَوْ دُونَهَا لِتَمَامِ الْعَادَةِ أَوْ دُونَهَا فَفِي الْأَوَّلِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَفِي الثَّالِثِ لَا يَقْرَبُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مَا لَمْ تَمْضِ عَادَتُهَا، وَفِي الثَّانِي إنْ اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَعْنِي خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا حَلَّ، وَإِلَّا لَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ انْقِطَاعُ النِّفَاسِ إنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فِيهَا فَانْقَطَعَ دُونَهَا لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا بِالشَّرْطِ أَوْ لِتَمَامِهَا حَلَّ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ لِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ حَلَّ مُطْلَقًا.

وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ يَطْهُرْنَ وَيَطَّهَّرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَمُؤَدَّى الْأَوَّلِ انْتِهَاءُ الْحُرْمَةِ الْعَارِضَةِ عَلَى الْحِلِّ بِالِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا وَإِذَا انْتَهَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ عَلَى الْحِلِّ حَلَّتْ بِالضَّرُورَةِ وَمُؤَدَّى الثَّانِيَةِ عَدَمُ انْتِهَائِهَا عِنْدَهُ بَلْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ فَحَمَلْنَا الْأُولَى عَلَى الِانْقِطَاعِ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ وَالثَّانِيَةَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ فِي تَوْقِيفِ قُرْبَانِهَا فِي الِانْقِطَاعِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْغُسْلِ إنْزَالَهَا حَائِضًا حُكْمًا وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ إنْزَالَهُ إيَّاهَا طَاهِرَةً قَطْعًا بِخِلَافِ تَمَامِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهَا بِالطُّهْرِ بَلْ يَجُوزُ الْحَيْضُ بَعْدَهُ وَلِذَا لَوْ زَادَتْ وَلَمْ تُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا نُحَقِّقُهُ بَقِيَ أَنَّ مُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ فَرَفْعُ الْحُرْمَةِ قَبْلَهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ خُصَّ مِنْهَا صُورَةُ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ بِقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فَجَازَ أَنْ يُخَصَّ ثَانِيًا بِالْمَعْنَى وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعُ آخِرًا أَعْنِي أَنْ تَطْهُرَ فِي وَقْتٍ مِنْهُ إلَى خُرُوجِ قَدْرِ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ لَا أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَمِنْ أَنْ تَطْهُرَ فِي أَوَّلِهِ وَيَمْضِي مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْزِلُهَا طَاهِرَةً شَرْعًا كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَغْلَطُ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ لَفْظَةَ أَدْنَى وَعِبَارَةُ الْكَافِي أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِمُضِيِّ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ بِقَدْرِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ بِأَنْ انْقَطَعَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَجْهُ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّهُ خِلَافُ إنْهَاءِ الْحُرْمَةِ بِالْغُسْلِ الثَّابِتِ بِقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي التَّجْنِيسِ مُسَافِرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَتَيَمَّمَتْ، ثُمَّ وَجَدَتْ الْمَاءَ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا لَكِنْ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ فَلَمَّا وَجَدَتْ الْمَاءَ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ كَالْجُنُبِ.

أَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ دُونَ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اغْتَسَلَتْ حِينَ تَخَافُ فَوْتَ الصَّلَاةِ وَصَلَّتْ وَاجْتَنَبَ زَوْجُهَا قُرْبَانَهَا احْتِيَاطًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى عَادَتِهَا لَكِنْ تَصُومُ احْتِيَاطًا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْعِدَّةِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ احْتِيَاطًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ إنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ جَازَ وَإِنْ عَاوَدَهَا إنْ كَانَ فِي الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِي، وَكَذَا صَاحِبُ الِاسْتِبْرَاءِ يَتَجَنَّبُهَا احْتِيَاطًا اهـ. وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهُ إذَا زَادَ لَا يَفْسُدُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْعَوْدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَادَةِ أَمَّا قَبْلَهَا فَيَفْسُدُ وَإِنْ زَادَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُوجِبُ الرَّدَّ إلَى الْعَادَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَاوَدَهَا فِيهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْت مَا عِنْدِي مِنْ التَّرَدُّدِ فِي الِانْقِطَاعِ بِدُونِ الْقِصَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ زَمَانَ الِاغْتِسَالِ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَشَايِخُنَا زَمَانُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِي حَقِّ صَاحِبَةِ الْعَشَرَةِ وَمِنْ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَهَا وَلَكِنْ مَا قَالُوهُ فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ لَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ عَقِيبَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّادِسَةِ عَشْرَةَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّفَقِ فَهُوَ طُهْرٌ تَامٌّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ قِيلَ: إنَّ خَلْفَ بْنَ أَيُّوبَ أَرْسَلَ ابْنَهُ مِنْ بَلْخٍ إلَى بَغْدَادَ لِلتَّعَلُّمِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ مَا تَعَلَّمْت قَالَ تَعَلَّمْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ زَمَانُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ فِي حَقِّ صَاحِبَةِ الْعَشَرَةِ وَمِنْ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَهَا فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَضَعْت سَفَرَك. اهـ. وَلِأَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِالِاغْتِسَالِ فَالْحَيْضُ ثَابِتٌ فِي زَمَنِ الِاشْتِغَالِ بِالِاغْتِسَالِ بِخِلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>