للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ وَلَا تَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ بِهِمَا. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا) أَيْ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا احْتِرَازًا عَنْ التَّجَاحُدِ وَعَنْ الْوُقُوفِ فِي مَوَاضِعِ التُّهَمِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهُ مُطْلَقًا فَيُتَّهَمُ بِالْقُعُودِ مَعَهَا وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا صَحَّتْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَصِحُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣١]، {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِشْهَادِ وَاشْتِرَاطُهَا زِيَادَةٌ وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهَا وَالرَّجْعَةُ اسْتِدَامَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِهَذَا كَانَ بَاقِيًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَتَنَاوَلَهَا قَوْلُهُ زَوْجَاتِي طَوَالِقُ وَجَوَازُ الِاعْتِيَاضِ بِالْخُلْعِ وَمُرَاجَعَةُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ رِضَاهَا وَلَفْظَةُ الْإِنْكَاحِ وَالْوَلِيِّ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَكَذَا فِي الرَّجْعَةِ لِاسْتِحَالَةِ إرَادَةِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ النَّدْبَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦]، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ عِنْدَنَا وَالْعَجَبُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْإِشْهَادَ فِي الرَّجْعَةِ اعْتِبَارًا بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَا يَشْتَرِطُونَ رِضَاهَا وَلَا تَجْدِيدَ الْمَهْرِ وَلَا الْوَلِيَّ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ مَالِكًا يَشْتَرِطُ فِيهَا الْإِشْهَادَ وَلَا يَشْتَرِطُهُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعْلِمَهَا بِالْمُرَاجَعَةِ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ يَعْنِي بِالتَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْعِلْمِ وَفِي الْغَايَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمَعْصِيَةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ارْتِجَاعِهِ لِانْفِرَادِهِ بِهِ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا السُّؤَالَ، وَالْمَعْصِيَةُ بِالْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهَا. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَاجَعْتُك فِيهَا فَصَدَّقَتْهُ تَصِحُّ وَإِلَّا لَا كَرَاجَعْتُكِ فَقَالَتْ مُجِيبَةً مَضَتْ عِدَّتِي) أَيْ لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا كُنْت رَاجَعْتُك فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ لَا تَصِحُّ كَمَا لَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ لَهَا رَاجَعْتُك يُرِيدُ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ مُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهُ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ يَثْبُتُ النِّكَاحُ فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَكُونُ مُتَّهَمًا فِيهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْلَافِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا وَسَقَطَتْ بِالرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَبْقَى مَعَهَا وَإِخْبَارُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُحَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَجَابَتْهُ بَعْدَ سَكْتَةٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الرَّجْعَةَ صَادَقَتْ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ) وَيُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا وَهُوَ مُفِيقٌ ثُمَّ جُنَّ اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ اهـ ع وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ لِاثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢]. (قَوْلُهُ وَلَنَا النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ إلَخْ)، وَهَذَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ لَلَزِمَ التَّعَارُضُ وَالتَّدَافُعُ، وَالتَّعَارُضُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بُطْلَانُ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجْرِي عَلَى سَنَنِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالثَّانِي أَنَّ الْإِشْهَادَ مَقْرُونٌ بِالْمُفَارَقَةِ وَالرَّجْعَةِ جَمِيعًا ثُمَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْوُجُوبُ عِنْدَ الرَّجْعَةِ لِلُزُومِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ وَذَاكَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْأَمْرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ وَبَعْضُهُمْ بِالنَّدْبِ وَبَعْضُهُمْ بِالْإِبَاحَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ مُوجِبَهُ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ جَمِيعًا وَكَانَ مِنْهُمْ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ إرَادَةَ الْآخَرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبُ لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعْلِمَهَا بِالْمُرَاجَعَةِ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ) أَيْ وَذَاكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ الرَّجْعَةَ رُبَّمَا تَتَزَوَّجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ رَجُلًا بِنَاءً عَلَى الطَّلَاقِ السَّابِقِ فَتَقَعُ فِي الْحَرَامِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قُبَيْلَ بَابِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ هُوَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ وَيُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَيُعْلِمَهَا وَلَوْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ وَلَمْ يُشْهِدْ أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَإِذَا كَتَمَهَا الطَّلَاقَ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَكَتَمَهَا الرَّجْعَةَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ وَإِنَّمَا قَالَ أَسَاءَ لِتَرْكِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَامُ اهـ. .

(قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ) أَيْ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً) أَيْ، وَقَالَ كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ بِلَا يَمِينٍ وَعِنْدَهُمَا مَعَ الْيَمِينِ اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ الْعِدَّةَ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا) أَيْ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>