الْكُلِّ وَفِيهِ قِيَاسٌ آخَرُ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَبْقَى فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَدَثِ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لَهَا مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْعُضْوُ وَمَا دُونَهُ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَحْسَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَوْضِعَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُضْوِ وَمَا دُونَهُ أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى تَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ احْتِيَاطًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْفَلُ عَنْهُ عَادَةً وَلَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ غَالِبًا فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا دُونَ الْعُضْوِ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ التَّيَقُّنِ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَتْ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا دُونَ الْعُضْوِ بِأَنْ تَرَكَتْهُ عَمْدًا لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَتَرَكَتْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِبَقَاءِ عُضْوٍ كَامِلٍ وَعَنْهُ أَنَّهَا تَنْقَطِعُ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ احْتِيَاطًا لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الِاغْتِسَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِانْقِطَاعِ. .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلَّقَ ذَاتَ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ، وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا رَاجَعَ) أَيْ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ مَتَى ظَهَرَ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ التَّزَوُّجِ جُعِلَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْوَطْءِ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ التَّزَوُّجِ جَعَلَ مِنْهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَتَأَكَّدَ الْمِلْكُ وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِعَقِبِ الرَّجْعَةِ وَبَطَلَ زَعْمُهُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ مَعَ ثُبُوتِ تَغَلُّظِ الْعُقُوبَةِ عِنْدَهُ فَهَذَا أَوْلَى وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ ذَاتَ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَتَسْتَحِيلُ الرَّجْعَةُ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الرَّجْعَةِ لِإِنْكَارِهِ ذَلِكَ وَكَوْنِهِ مُكَذَّبًا شَرْعًا ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَا يُوجَدُ بَقَاءُ حَقِّهِ كَرَجُلٍ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْحُكْمِ لِلْمُسْتَحِقِّ ثُمَّ بِصِحَّةِ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ قُلْنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِقْرَارِهِ هُنَا حَقُّ الْغَيْرِ وَالْمُوجِبُ لِلرَّجْعَةِ ثَابِتٌ وَهُوَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِرَدِّ زَعْمِهِ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ ظَالِمٌ وَلَهَا أَخَوَاتٌ كُلُّهَا تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مِنْهَا إذَا أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ قَالَ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَكَذَّبَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُقِرُّ الْعَبْدَ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَإِنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْحُكْمِ بِصِحَّةِ شِرَائِهِ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ لَمْ أُجَامِعْهَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْجِمَاعِ وَثُبُوتُ النَّسَبِ دَلَالَةُ الْجِمَاعِ وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا فَكَانَ أَوْلَى قُلْنَا الدَّلَالَةُ مِنْ الشَّارِعِ أَقْوَى مِنْ الصَّرِيحِ الصَّادِرِ مِنْ الْعَبْدِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ مِنْهُ دُونَ الشَّارِعِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ خَلَا بِهَا، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَثْبُتُ فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِالْوَطْءِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَكُونَ مُكَذَّبًا شَرْعًا؛ لِأَنَّ تَأَكُّدَ الْمَهْرِ يَنْبَنِي عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ وَرَفْعُ الْمَوَانِعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وُسْعَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ لِعَجْزٍ عَنْهُ وَلَوْ شُرِطَ لَتَضَرَّرَتْ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ بِهِمَا قَضَاءً بِالدُّخُولِ فَلَمْ يَتَأَكَّدْ الْمِلْكُ وَالرَّجْعَةُ لَا تُمْلَكُ إلَّا فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَكِّدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ قَضَاءٌ بِالدُّخُولِ فَيَكُونُ الْمِلْكُ مُتَأَكِّدًا فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ضَرُورَةَ تَأَكُّدِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ لِكَوْنِهِ مُكَذَّبًا شَرْعًا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهَا لِأَقَلَّ مِنْ عَامَيْنِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ) أَيْ رَاجَعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ وَلَدًا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَتَرَكَتْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ) الْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ إذَا حَكَمَ فِي تَرْكِ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ قَالَهُ الْأَكْمَلُ وَالْأَتْقَانِيُّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ وَلَدٍ) أَيْ مَعَهَا وَلَدٌ مَوْلُودٌ اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ جَعْلُ الْحَمْلِ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا) أَيْ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهَا اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute