وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَسُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَعْنِ نَفْسِهِ فِي الْخَامِسَةِ، وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَالتَّشَهُّدِ وَكَالصَّلَاةِ تُسَمَّى رُكُوعًا وَسُجُودًا وَسُبْحَةً لِوُجُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِيهَا وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ، وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَرُكْنُهُ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْيَمِينِ وَاللَّعْنِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بَعْدَ التَّلَاعُنِ، وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ مُفَصَّلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ، وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هِيَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] فَقَوْلُهُ تَعَالَى بِاَللَّهِ مُحْكَمٌ فِي الْيَمِينِ، وَالشَّهَادَةُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ فَحَمَلْنَا الْمُحْتَمَلَ عَلَى الْمُحْكَمِ لَا سِيَّمَا إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بِخِلَافِ الْيَمِينِ، وَتَكَرُّرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً كَمَا فِي الْقَسَامَةِ دُونَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: ٦] اسْتَثْنَى أَنْفُسَهُمْ عَنْ الشُّهَدَاءِ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ نَصَّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَقَالَ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] فَنَصَّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَا إلَى إيجَابِ الْحُكْمِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ هُوَ الشَّهَادَةُ إلَّا أَنَّهَا أُكِّدَتْ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، وَالتَّأْكِيدُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً، وَقَوْلُهُ الشَّهَادَةُ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ قُلْنَا إنَّمَا لَا تُقْبَلُ فِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا إذَا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ فَمَقْبُولَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران: ١٨] فَهَذِهِ مِنْ أَصْدَقِ الشَّهَادَاتِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَالتُّهْمَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنْتَفِيَةٌ بِالْيَمِينِ، وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حَمْلِ الشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَالِفُونَ إلَّا أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
اللِّعَانُ هُوَ مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ وَالْقِيَاسُ الْمُلَاعَنَةُ وَكَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ يَجْعَلُونَ الْفِعَالَ وَالْمُفَاعَلَةَ قِيَاسَيْنِ لِفَاعِلٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ إلَخْ) وَفِي الْفِقْهِ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْرُوفَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُجُودِ اللَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَلَمْ يُسَمَّ بِاسْمٍ مِنْ الْغَصْبِ وَهُوَ أَيْضًا مَوْجُودٌ فِيهَا وَهُوَ أَيْضًا فِي كَلَامِهَا وَذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ أَسْبَقُ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَسُبْحَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالسُّبْحَةُ مِنْ التَّسْبِيحِ كَالسُّخْرَةِ مِنْ التَّسْخِيرِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ النَّافِلَةُ بِالسُّبْحَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَقِيلَ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالْأَذْكَارِ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ اهـ
وَفِي الْمِصْبَاحِ التَّسْبِيحُ التَّقْدِيسُ وَالتَّنْزِيهُ يُقَالُ سَبَّحْت اللَّهَ أَيْ نَزَّهْته عَمَّا يَقُولُ الْجَاحِدُونَ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ يُقَالُ فُلَانٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ أَيْ يَذْكُرُهُ بِأَسْمَائِهِ نَحْوَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهُوَ يُسَبِّحُ أَيْ يُصَلِّي السُّبْحَةَ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً وَيُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْ يُصَلِّي النَّافِلَةَ وَسُبْحَةَ الضُّحَى وَمِنْهُ {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: ١٤٣] أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَا زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي الْقَذْفِ وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ الزَّوْجِيَّةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْأَزْوَاجِ حَتَّى لَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَكَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مُطْلَقًا وَاشْتُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ وَاللِّعَانَ شَهَادَةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْيَمِينِ وَالْحُرِّيَّةَ مِنْ جَانِبِهَا مِنْ شَرَائِطِ إحْصَانِ الْقَذْفِ وَاشْتُرِطَ الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِ الْكَافِرَةِ فَكَذَا لَا يَجِبُ اللِّعَانُ
أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا، وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَذَفَهَا بِالزِّنَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَاشْتُرِطَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْقَذْفِ بِدُونِهِمَا وَاشْتُرِطَ نَفْيُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ لَا شَهَادَةَ لَهُ بِالنَّصِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَبَبُهُ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ قَذْفًا صَحِيحًا وَنَعْنِي بِالصَّحِيحِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِأَنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَالْمَرْأَةُ عَاقِلَةً بَالِغَةً لِأَنَّ الْقَذْفَ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْحَدِّ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَلِأَنَّ قَذْفَ الْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ بِالزِّنَا كَذِبٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ قَذْفًا صَحِيحًا اهـ
(قَوْلُهُ وَأَهْلُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَخْ) فَلَا يَجْرِي إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ الْحُرَّيْنِ الْعَاقِلَيْنِ الْبَالِغَيْنِ غَيْرِ الْمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: ٦] اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ شَهَادَاتٌ) التَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُلَاعَنَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ شَهَادَاتٌ اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ) وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ اللِّعَانِ أَبَدًا اهـ ع (قَوْلُهُ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَهَا مِرَارًا يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ كَالْحَدِّ اهـ ع (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ إلَخْ) فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْيَمِينِ عِنْدَهُ فَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَامْرَأَتِهِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَامْرَأَتِهِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَامْرَأَتِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ تَحْتَمِلُ الْيَمِينَ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً كَمَا فِي الْقَسَامَةِ) وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحَلُّهَا الْإِثْبَاتُ وَالْيَمِينَ لِلنَّفْيِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْلِيقُ حَقِيقَتِهِمَا بِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ أَحَدِهِمَا وَمَجَازِ الْآخَرِ فَلْيَكُنْ الْمَجَازُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُوجِبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِي حَلِّ مَذْهَبِهِ يُوجِبُ أَنْ يُقَالَ أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِأَيْمَانٍ لَا أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالشَّهَادَةِ. اهـ. كَمَالٌ
وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا شُرِّعَتْ مُكَرَّرَةً إلَخْ يَعْنِي لَمْ يُعْهَدْ شَرْعًا تَكَرُّرُ الشَّهَادَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ) أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute