للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُوَافِقُ طَبْعَهُ فَيَزُولُ مَا بِهِ مِنْ الْمَرَضِ بِاعْتِدَالِ الطَّبْعِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَزُلْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلْقَةٌ، وَأَنَّ حَقَّهَا قَدْ فَاتَ بِهِ فَيُفَرَّقُ بِطَلَبِهَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يُضْرَبُ إذَا اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ هُوَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ أَوْ يَعْرُكُهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَاقِهَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الزَّوْجَةِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

وَقَالَ زُفَرُ لَهَا الْخِيَارُ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِفَوَاتِ حَقِّهَا فِي اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ حَقُّهَا عَلَى الْخُلُوصِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْأَصْلِ حُصُولُ الْوَلَدِ لَا اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَمَا رُكِّبَ فِيهَا مِنْ الشَّهْوَةِ حَامِلٌ لَهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ حَقُّ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ إلَى الْمَوْلَى ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا، وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ رَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، وَأَجَّلَهُ سَنَةً، وَمَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ تُخَاصِمْ زَمَانًا لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَالِامْتِحَانِ لَا لِلرِّضَا بِهِ وَلَوْ وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً ثُمَّ عَجِزَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ حَقَّهَا فِي وَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا مِنْ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَالْإِحْصَانِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً، وَالْفُرْقَةُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَسْخٌ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ مِنْ جِهَتِهَا، وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَكَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَكَانَ طَلَاقًا بَائِنًا لِيَتَحَقَّقَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالْفَسْخُ يُغَايِرُهُ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ، وَالْفَسْخُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَخِيَارُ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغُ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِتْمَامِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ فُرْقَةٌ بَعْدَ التَّمَامِ فَكَانَ رَفْعًا، وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا

وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ فَنَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ وَطِئْت، وَأَنْكَرَتْ، وَقُلْنَ بِكْرٌ خُيِّرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صَدَقَ بِحَلِفِهِ) يَعْنِي إذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ، وَقَالَ وَطِئْتهَا، وَأَنْكَرَتْ هِيَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ خُيِّرَتْ، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الثِّيَابَةُ أَصْلِيَّةً أَوْ طَارِئَةً فِي الْمُدَّةِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ ثُبُوتِ الْعُنَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ لِيُؤَجَّلَ، وَذَكَرَهُ فِي الِانْتِهَاءِ لِيُفَرَّقَ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهِمَا، وَتَمَامِ تَفْرِيعَاتِهِ فَنَقُولُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا يُؤَجَّلُ سَنَةً مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، وَإِنْ أَنْكَرَ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ إنْ تَمَّتْ السَّنَةُ فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ الْوُصُولِ فَإِنْ صَدَّقَهَا خُيِّرَتْ لِثُبُوتِ حَقِّهَا لِلتَّصَادُقِ، وَإِنْ أَنْكَرَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا بِكْرٌ خُيِّرَتْ، وَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الثِّيَابَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الثِّيَابَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَزُلْ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا عُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ آفَةٌ أَصْلِيَّةٌ قَالَ الْكَمَالُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مُوجَبَ التَّفْرِيقِ كَوْنُهُ مِنْ عِلَّةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَالسَّنَةُ ضُرِبَتْ لِتَعْرِيفِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا سَنَةً كَوْنُ ذَلِكَ آفَةً أَصْلِيَّةً فِي الْخِلْقَةِ إذْ الْمَرَضُ يَمْتَدُّ السَّنَةَ، وَأَيْضًا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الْعِنِّينِ الْمَسْحُورِ، وَمُقْتَضَى السِّحْرِ مِمَّا قَدْ يَمْتَدُّ السَّنَتَيْنِ، وَبِمُضِيِّ السَّنَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا طَلَبَتْ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْآفَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِفَرْضِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ فَالْحَقُّ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَنُوطٌ إمَّا بِغَلَبَةِ ظَنِّ عَدَمِ زَوَالِهِ لِزَمَانَتِهِ أَوْ الْأَصْلِيَّةِ، وَمُضِيُّ السَّنَةِ مَعَ عَدَمِ الْوُصُولِ مُوجِبٌ لِذَلِكَ، وَهُوَ عَدَمُ إيفَاءِ حَقِّهَا فَقَطْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَالسَّنَةُ جُعِلَتْ غَايَةً فِي الصَّبْرِ، وَإِبْلَاءُ الْعُذْرِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَعْدَ انْقِضَائِهَا قُرْبُ زَوَالِهِ، وَقَالَ بَعْدَ السَّنَةِ أَجِّلْنِي يَوْمًا لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهَا فَلَوْ رَضِيَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ كَانَ لَهَا ذَلِكَ، وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لِأَنَّ السَّنَةَ عِنْدَ النَّاسِ غَايَةٌ فِي إبْلَاءِ الْعُذْرِ اهـ

(فَرْعٌ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْخُنْثَى إذَا كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ فَهُوَ رَجُلٌ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ لِأَنَّ رَجَاءَ الْوُصُولِ يَتَحَقَّقُ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَهِيَ امْرَأَةٌ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا لَمْ يُعْلَمْ بِحَالِهَا ثُمَّ عُلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي يَدِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الرَّتْقَاءِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشَّامِلِ زُوِّجَ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى، وَهُمَا مُشْكِلَانِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ، وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ وَجَبَ الْوَقْفُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى يُتَبَيَّنَ فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ التَّبَيُّنِ لَمْ يَتَوَارَثَا، وَفِيهِ أَيْضًا: مَاتَ وَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ تَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ، وَامْرَأَةٌ أَنَّهُ كَانَ زَوْجَهَا، وَكَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ لَمْ يُقْضَ لِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ ذُكِرَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا أَقْدَمَ فَيُقْضَى لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ يُخْرِجُ الْفَاسِدَ، وَالْمَوْقُوفَ، وَالْفَسْخَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَخِيَارَ الْعِتْقِ، وَالْبُلُوغِ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ) أَيْ فِي حَقِّ النَّقْلِ إلَى الْغَيْرِ، وَلَا فِي حَقِّ الِانْتِقَالِ إلَى الْوَرَثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِوُجُودِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ) أَيْ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ إذْ لَا وُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُنَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْوَطْءِ اخْتِيَارًا تَعَنُّتًا فَيَدُورُ الْحُكْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا) أَيْ فِي هَذَا النِّكَاحِ، وَإِنْ تَصَادَقَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فِي نِكَاحٍ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفُرْقَةِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ) وَتُجْزِئُ الْوَاحِدَةُ الْعَدْلَةُ وَالثِّنْتَانِ وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>