للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ، وَبِهِ يُفْتَى فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْفُسَّاقِ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فِي قَوْلِهِمْ

وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَيْرُهُمَا أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَشْتَهِيَ) أَيْ غَيْرُ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تُشْتَهَى، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّرْكِ عِنْدَ مَنْ يَحْضُنُهَا نَوْعَ اسْتِخْدَامٍ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّعْلِيمُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْدَامَ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى ذَلِكَ شَرْعًا فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَفِي الْكَافِي إذَا خَلَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَضَمَّتْهَا إلَيْهَا، وَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مَا لَمْ يَعْتِقَا) لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْحَضَانَةِ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى، وَلِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ نَوْعُ وِلَايَةٍ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَكُونُ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا فَتَكُونُ الْحَضَانَةُ لِمَوْلَاهُ إنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي الرِّقِّ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ إذَا كَانَا فِي مِلْكِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَإِذَا عَتَقَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي أَوْلَادِهِمَا الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمَا، وَأَوْلَادُهُمَا أَحْرَارٌ أَوَانَ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهَا، وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ دِينًا) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَبْتَنِي عَلَى الشَّفَقَةِ، وَهِيَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ لَهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ فَإِذَا عَقَلَ يُنْزَعُ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ، وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَدَّةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ فَلَا تَتَفَرَّغُ لَهُ، وَلَا فِي دَفْعِهِ إلَيْهَا نَظَرٌ لَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا خِيَارَ لِلْوَلَدِ) عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ، وَتُسَلَّمُ الْجَارِيَةُ إلَى الْأَبِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِهِ، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ زَوْجُهَا أَتُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا أَبُوك، وَهَذِهِ أُمُّك فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْت فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ غَيْرَ أَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ هُوَ نَصٌّ فِي الْغُلَامِ، وَلَا تُقَاسُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَالتَّزْوِيجِ دُونَ الْغُلَامِ، وَلَنَا أَنَّهُ صَغِيرٌ غَيْرُ رَشِيدٍ وَلَا عَارِفٍ بِمَصْلَحَتِهِ فَلَا يُعْتَمَدُ اخْتِيَارُهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ الرَّاحَةُ وَالتَّخْلِيَةُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ فِيهِ

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْفِرَاقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي صُحْبَتِهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهَا إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ، وَلَوْلَا أَنَّهَا فِي صُحْبَتِهِ لَمَا قَالَتْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا قَالَتْ، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةُ، وَاَلَّذِي يَسْقِي مِنْ الْبِئْرِ هُوَ الْبَالِغُ ظَاهِرًا أَوْ هُوَ حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي السَّبْعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ عُمُرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ وُفِّقَ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِاخْتِيَارِ الْأَنْظَرِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمَا أَوَّلًا بِالِاسْتِهَامِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا فَكَذَا التَّخْيِيرُ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ إيمَانَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ لِرَبِّهِ، وَهُوَ نَفْعٌ لَهُ ثُمَّ يَعْتَبِرُونَ اخْتِيَارَهُ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، وَهُوَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا خُلْفٌ، ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى، وَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ اعْتِبَارًا لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ

فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا لَا يَبْقَى لِلْأَبِ يَدٌ فِي مَالِهِ فَكَذَا فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا بَلَغَ مُبَذِّرًا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ حِفْظِ مَالِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ إمَّا لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ أَوْ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِفَسَادِ ابْنِهِ، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلِأَبِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَبِرْ الرِّجَالَ، وَلَمْ تَعْرِفْ حِيَلَهُمْ فَيُخَافُ عَلَيْهَا الْخِدَاعُ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً لَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتَنَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا اخْتَبَرَتْ الرِّجَالَ، وَعَرَفَتْ كَيْدَهُمْ فَأُمِنَ عَلَيْهَا مِنْ الْخِدَاعِ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَخُوفًا عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ، وَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ) قَالَ قَاضِي خَانْ لِلْأَبِ وِلَايَةُ أَخْذِ الْجَارِيَةِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ بِتِسْعِ سِنِينَ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ لَا تُشْتَهَى حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعَ سِنِينَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ بِئْرُ أَبِي عُتْبَةُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ مَا بَعْدَهَا كَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ اهـ، وَفِي شَرْحِ الْكَافِي بِئْرُ أَبِي عُتْبَةَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَفِي الْأَحْكَامِ وَالسُّنَنِ بِئْرُ أَبِي عُتْبَةُ بِلَفْظِ الْحَبَّةِ مِنْ الْعِنَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهِيَ بِئْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ لَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا. اهـ. مُغْرِبٌ، وَقَوْلُهُ وَهِيَ بِئْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ إلَخْ هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ عِنْدَهَا لَمَّا سَارَ إلَى بَدْرٍ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ أَتُحَاقِّنِي فِي وَلَدِي) الْمُحَاقَقَةُ الْمُنَازَعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ زَالَ وِلَايَةُ الْأَبِ عَنْهُ، وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِيهِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ يُسْأَلُ عَنْ حَالِهَا فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ أَمَّا الْبِكْرُ فَلِأَبِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا سَرِيعَةُ الِانْخِدَاعِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>