للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد،

وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَاجِبَتَانِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُفْتِي وَالْمُقَاتِلَةُ وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْوَصِيُّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا يَعْنِي يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا فِي النَّفَقَةِ حَتَّى إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرَاتِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ، وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ لَا غَيْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: ٧] وَقَالَ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: ٢٣٦] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: ٧] وَمَنْ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ بَيَانُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ مُعَسِّرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِالنَّصِّ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ «خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَقَدْ اعْتَبَرَ حَالَهَا، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَمَا تَلَاهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ حَالِ الرَّجُلِ فَاعْتَبَرْنَا حَالَهُمَا عَمَلًا بِهِمَا، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ فَقِيرًا وَهِيَ مُوسِرَةً يُسَلِّمُ لَهَا قَدْرَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ فِي الْحَالِ، وَالزَّائِدُ يَبْقَى دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَكُونُ تَكْلِيفًا بِمَا لَمْ يُؤْتَ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْكِسْوَةِ إذْ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ

وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: ٢٣٦] الْمُرَادُ بِهِ الْكِسْوَةُ، وَحَدِيثُ هِنْدَ عَامٌّ فِيهِمَا فَقَدْ تَعَارَضَا فِيهَا فَعَمِلْنَا بِهِمَا بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْمُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ الْمُوسِرِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهَا لِإِظْهَارِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ «وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجُهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ») قِيلَ هِيَ كَلِمَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ. اهـ. شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الْحَجِّ اهـ

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الِاحْتِبَاسِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ لِمَنْفَعَةٍ تَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ الرَّهْنُ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ حَبْسِهِ لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لِلْمُرْتَهِنِ بَلْ مُشْتَرَكَةٌ، وَخَرَجَ الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا حَتَّى لَوْ تَعَجَّلَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ فَاسِدٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْ أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي فَلَا يَرْجِعُ، وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ اُتُّهِمَ بِامْرَأَةٍ فَظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ فَزُوِّجَتْ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا صَحِيحٌ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ وَطْئِهَا

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَحَلَّ وَطْؤُهَا، وَتَقَدَّمَ أَصْلُهُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُقَاتِلَةُ) أَيْ إذَا قَامُوا بِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا. قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ شَرْطًا لَازِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ انْتِقَالَهَا فَإِنْ طَلَبَهُ فَامْتَنَعَتْ لِحَقٍّ لَهَا كَمَهْرِهَا لَا تَسْقُطُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِنُشُوزِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تُزَفَّ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ، وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ

وَقَوْلُ الشَّيْخِ الْأَقْطَعِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَرْحِهِ إنَّ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ مَنْظُورٌ فِيهِ ثُمَّ قَدَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ حَيْثُ تَرَكَ النُّقْلَةَ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا. اهـ. (قَوْلُهُ عَمَلًا بِهِمَا) أَيْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْته فِي فَصْلِ النَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ أَوْ حَالِهَا فَهُوَ الْجَوَابُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْعُسْرَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا أَنَّهُ قَادِرٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إلَى زِيِّهِ إلَّا فِي الْعَلَوِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَسَأَلَتْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ يَسَارِهِ فِي السِّرِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي، وَإِنْ فَعَلَهُ فَأَتَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا عَلِمَا ذَلِكَ، وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ أَخْبَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ وَرَاءٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِقَوْلِهِمَا، فَإِنْ أَقَامَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ مُوسِرٌ فَأَقَامَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ أَخَذَ بِبَيِّنَتِهَا وَفَرَضَ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الْمُوسِرِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اهـ

(قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ الْوَسَطُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْوَاجِبُ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْوَسَطُ هُوَ الْوَاجِبُ بَعْدَ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى جَمِيعِ أَقْسَامِ تَفْسِيرِ قَوْلِ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ فِي أَوَاسِطِ الْحَالِ، وَفِي اخْتِلَافِهِمَا بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فَوْقَ الْإِعْسَارِ، وَدُونَ نَفَقَةِ الْيَسَارِ، وَهُوَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا فِي يَسَارِهِمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ نَفَقَةٌ هِيَ وَسَطٌ فِي الْيَسَارِ، وَأَمَّا فِي إعْسَارِهِمَا فَتَجِبُ نَفَقَةٌ وَسَطٌ فِي الْإِعْسَارِ، وَهُوَ بَعِيدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>