للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفَقَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا فَلَا يَكُونُ اسْتِرْدَادًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ هُوَ التَّبْوِئَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ، وَلَا يُقَالُ إنْ خِدْمَةَ الْمَوْلَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ شَرْعًا حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ فَيَكُونَ حَبْسُهَا نَفْسَهَا بِحَقٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْحُرَّةِ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا لِأَنَّا نَقُولُ الْحُرَّةُ إذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا كَانَ التَّفْوِيتُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ التَّفْوِيتَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَكَوْنُهُ مُقَدَّمًا شَرْعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي عَدَمِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ كَمَا إذَا حَجَّتْ مَعَ مَحْرَمٍ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ كَالْقِنَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُنَّ إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَبْلَ التَّبْوِئَةِ كَالْحُرَّةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ اسْتِخْدَامُهَا لِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا فَتَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهَا شَرْعًا كَالْحُرَّةِ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْحُرَّةِ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا صَارَتْ مَحْبُوسَةً بِحَقِّهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قُلْنَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَلَا تُسْتَحَقُّ بَعْدَهُ، وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمَوْلَى بَوَّأَهَا مَنْزِلًا أَوْ لَمْ يُبَوِّئْهَا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا) أَيْ تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى فِي بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا مِنْ أَهْلِهَا إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقُّهَا إذْ هِيَ مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَقْرُونًا بِالنَّفَقَةِ بِقَوْلِهِ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] أَيْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَهَكَذَا قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَإِذَا كَانَ حَقًّا لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهَا كَالنَّفَقَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ السُّكْنَى مَعَ النَّاسِ يَتَضَرَّرَانِ بِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا، وَيَمْنَعُهُمَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَسْكَنَ أَمَتَهُ مَعَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا، وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ، وَجَعَلَ لَهُ مَرَافِقَ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ كَفَاهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ فَإِنْ اشْتَكَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْإِيذَاءَ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ، وَفِي الْغَايَةِ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا عِنْدَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُمْ النَّظَرُ، وَالْكَلَامُ مَعَهَا) أَيْ لِأَهْلِهَا أَنْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا، وَيَتَكَلَّمُوا مَعَهَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءُوا، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ مَعَهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقَرَارِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ فِي اللَّبَاثِ وَتَطْوِيلِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ، وَلَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَفِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُخَلَّى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مَعَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَارَا) بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦] {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] أَيْ مِنْ غِنَاكُمْ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا مِنْ دَارٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدَةً، وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ قَالَ الْكَمَالُ اقْتَصَرَ عَلَى الْغَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْخَلَاءُ مُشْتَرَكًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَدْ زَالَ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ كَوْنَ الْخَلَاءِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الدَّارِ بُيُوتٌ وَأَبَتْ تَسْكُنُ مَعَ ضَرَّتِهَا أَوْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ إنْ أَخْلَى لَهَا بَيْتًا، وَجَعَلَ لَهَا مَرَافِقَ، وَغَلْقًا عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ بَيْتًا، وَلَوْ شَكَّتْ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا أَوْ يُؤْذِيَهَا إنْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ زَجَرَهُ

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ سَأَلَ مِنْ جِيرَانِهِ فَإِنْ لَمْ يُوثَقْ بِهِمْ أَوْ كَانُوا يَمِيلُونَ إلَيْهِ أَسْكَنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ أَخْيَارٍ يَعْتَمِدُ الْقَاضِي عَلَى خَبَرِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي اللَّبَاثِ) بِفَتْحِ اللَّامِ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهَا، وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْصِيَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ أَوْ لِآخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَالْحَجُّ عَلَى هَذَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَتْ لَهَا نَازِلَةٌ إنْ سَأَلَ الزَّوْجُ مِنْ الْعَالِمِ، وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ لَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ السُّؤَالِ يَسَعُهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ لَكِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ لِتَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَحْفَظُ الْمَسَائِلَ، وَيَذْكُرُ مَعَهَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا

وَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ الْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا أَحْيَانَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسَعُهَا الْخُرُوجُ مَا لَمْ تَقَعْ لَهَا نَازِلَةٌ، وَفِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْغُزَاةِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ مَهْرَهَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا وَتَزُورَ الْأَقَارِبَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَا تُسَافِرُ مَعَ عَبْدِهَا خَصِيًّا كَانَ أَوْ فَحْلًا، وَكَذَا أَبُوهَا الْمَجُوسِيُّ، وَالْمَحْرَمُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ بِخِلَافِ الْمُرَاهِقِ وَحَدُّهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ اثْنَا عَشَرَ، وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مَحْرَمًا لِامْرَأَةٍ، وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجُ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: ٣٣] وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ فِيهِ قَاضِي خَانْ فَقَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَنَوَّرَ» وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ دَخَلَ حَمَّامَ حِمْصَ لَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ

وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>