لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَنْكَرُوا عَلَيْهَا كَعُمَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ حَتَّى قَالَتْ لِفَاطِمَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهَا لَا خَيْرَ لَك فِيهِ
وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لَا يُقَالُ إلَّا لِمَنْ ارْتَكَبَ بِدْعَةً مُحَرَّمَةً، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَمَّا حَدَّثَ الشَّعْبِيُّ عَنْهَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كَفًّا مِنْ حَصَى وَحَصَبَ بِهِ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ لَهُ وَيْلَك أَتُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَصَارَ مُنْكَرًا فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَالثَّانِي لِاضْطِرَابِهِ فَإِنَّهُ جَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَجَاءَ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةِ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَجَاءَ مَاتَ عَنْهَا، وَجَاءَ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ، وَجَاءَ طَلَّقَهَا أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَلَمَّا اضْطَرَبَ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ نَفَقَتَهَا سَقَطَتْ بِتَطْوِيلِ لِسَانِهَا عَلَى أَحْمَائِهَا فَلَعَلَّهَا أُخْرِجَتْ لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] وَهُوَ أَنْ تُفْحِشَ عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ فَتُؤْذِيَهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ إلَّا أَنْ يُفْحِشَ عَلَيْكُمْ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِفَاطِمَةَ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ كَانَتْ لَسِنَةً فَوَضَعَتْ عَلَى يَدِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِهِ نَاشِزَةً، وَشَرْطُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ مَحْبُوسَةً فِي بَيْتِهِ وَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ السُّكْنَى، وَلِأَنَّ هَذَا حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَتْ رُخْصَةً لِعِلَّةٍ، وَقَوْلُهُ النَّفَقَةُ بِإِزَاءِ التَّمْكِينِ، وَلَا تَمْكِينَ هُنَا لِعَدَمِ الْحِلِّ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِإِزَائِهِ بَلْ لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا لِأَجْلِ غَيْرِهِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبُ، وَلَا تَأْثِيرَ لِعَدَمِ الْحِلِّ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَكَذَا إذَا فَاتَ التَّمْكِينُ حِسًّا بِنَحْوِ الْمَرَضِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ
وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ النَّفَقَةَ لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَوَجَبَتْ فِي مَالِ الْحَمْلِ كَنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَثَانِيهَا أَنَّ امْرَأَتَهُ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَبَتَّ طَلَاقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ لَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَوْلَاهَا لَا عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِلْكُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لِشَخْصٍ، وَحَمَّلَهَا الْآخَرُ لَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْحَمْلِ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، وَهِيَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِمُضِيِّهِ، وَرَابِعُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا لِلْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ، وَلَا لِمُعْتَدَّةِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَيْسَ بِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِبَادَةً، وَلِهَذَا لَا يُرَاعَى فِيهَا مَعْنَى التَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِانْعِدَامِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِهِمْ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ بَلْ أَبْعَدَ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ وَنَحْوُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَيْثُ تَجِبُ لَهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ أَوْ الْإِيلَاءِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ) يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا نَفَقَةَ، وَلَا سُكْنَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ) أَيْ فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا سُكْنَى لِلْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا وَلَا نَفَقَةُ فِي مَالِ الزَّوْجِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ قَدْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا وَاجِبَةً فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِقَوْلِهِ {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: ٢٤٠] فَنُسِخَتْ هَذِهِ النَّفَقَةُ بِالْمِيرَاثِ، وَبِقَوْلِهِ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] فَأَوْجَبَ نَفَقَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَقَطَعَهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوْقَافِهِ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَقِفُ الْأَرْضَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ وَفُقَرَاءِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ قُلْت أَرَأَيْت إذَا قَالَ أَرْضِي صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِي فَجَاءَتْ الْغَلَّةُ يَوْمَ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَدًا فَقِيرًا كَانَ مَخْلُوقًا فِي الْبَطْنِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فَجَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يُوصَفُ بِالْفَقْرِ، وَإِنَّمَا الْفَقِيرُ مَنْ كَانَ مُحْتَاجًا
وَمَا فِي الْبَطْنِ لَا يُحْتَاجُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَإِنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّتِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْوَلَدَ فِي بَطْنِهَا مُحْتَاجًا إلَى شَيْءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِلْوَفَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ الْحِلَّ، وَالنِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالنَّفَقَةِ احْتِرَازًا عَنْ السُّكْنَى لِأَنَّ السُّكْنَى وَاجِبٌ لَهَا لِأَنَّ الْقَرَارَ فِي الْبَيْتِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهَا فَأَمَّا النَّفَقَةُ فَوَاجِبَةٌ لَهَا فَيَسْقُطُ ذَلِكَ بِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهَا بِمَعْصِيَةٍ اهـ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ إنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَإِنْ وَقَعَتْ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَالرِّدَّةِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى اهـ
فَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ظَاهِرُهُ نَفْيُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ وُجُوبِ السُّكْنَى، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى أَيْ لَا تَسْتَحِقُّهُمَا بَلْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَهُوَ النَّفَقَةُ، وَوَجْهُ هَذَا الِاحْتِمَالِ ظَاهِرٌ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَلَا مُخَالَفَةَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَهَا السُّكْنَى اهـ