عِدَّتِهِ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] الْآيَةَ، وَهُوَ أَمَرَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَهُوَ آكَدُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِنْ الْكَنْسِ وَغَيْرِهِ
وَإِنَّمَا لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَعُذِرَتْ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَلَا تُعْذَرُ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجَانِبِ، وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا، وَالشَّهَادَةُ لَهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إرْضَاعُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَحَقُّ بَعْدَهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً) أَيْ الْأُمُّ أَوْلَى بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ، وَفِي الْأَخْذِ مِنْهَا إضْرَارٌ بِهَا فَكَانَتْ أَوْلَى فَإِنْ الْتَمَسَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْأَبُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ لَا تُضَارَّ هِيَ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا، وَلَا هُوَ بِإِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: ٦] وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تَرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ
أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥]، وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ بِأَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: ٨] وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ وَلَا مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَكَالْأَبَوَيْنِ، وَلِهَذَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ كَالْأَبَوَيْنِ، وَشُرِطَ الْفَقْرُ لِتَتَحَقَّقَ الْحَاجَةُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ) أَيْ لَا تَجِبُ لِأَحَدٍ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِسَبَبِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ دُونَ اتِّحَادِ الْمِلَّةِ حَتَّى لَا تَجِبُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادِ فَلِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَنَفَقَةُ الْجُزْءِ لَا تَمْتَنِعُ بِالْكُفْرِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَلَا يُجْبَرُ الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، وَلَا تُسْتَحَقُّ الصِّلَةُ لِلْحَرْبِيِّ لِلنَّهْيِ عَنْ بِرِّهِمْ، وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِنَا وَبَيْنَهُمْ وَإِنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وِلَادٌ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي غَيْرِ الْوِلَادِ تَتَعَلَّقُ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ مُقَيَّدًا بِالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] بِخِلَافِ الْعِتْقِ حَيْثُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي رِوَايَةٍ. اهـ. هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا) أَيْ فَظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا لَمْ تَجُزْ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ) صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ بَعْضُهُمْ كَقَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْخُلَاصَةِ فِي الْإِجَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ إلَخْ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِوَلَدِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ الرَّحِمِ اللَّاتِي لَهُنَّ حَضَانَتُهُ جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ خِدْمَتُهُ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُنَّ عَلَى أَبِي الْوَلَدِ، وَاسْتِئْجَارُ خَادِمِ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فَمَا جَازَ فِي الْأُمِّ جَازَ فِي خَادِمِهَا، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا لَمْ يَجُزْ فِي خَادِمِهَا، وَكَذَا مُدَبَّرَتُهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُكَاتَبَتَهَا جَازَ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. اهـ. بَدَائِعُ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ إلَخْ) يَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ لِأَبٍ، وَالْجَدُّ لِأُمٍّ، وَإِنْ عَلَوَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وُجِدَ أَنَّهُ) يَدْخُلُ فِيهِ جَدَّاتُهُ لِأَبِيهِ، وَجَدَّاتُهُ لِأُمِّهِ وَإِنْ عَلَوْنَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَوْ فُقَرَاءَ) أَيْ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ نَفَقَةٌ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ. اهـ. مُحِيطِ (قَوْلُهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ) أَيْ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ قَالَ إذَا كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِذَا كَانَ الِابْنُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقْرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي اتِّكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ تَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي الْأَبِ إذَا كَانَ كَسُوبًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: ١٥] اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادَةِ) مِثْلُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَأَمَّا بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ فَلِمَا تَلَوْنَا) وَأَمَّا الْوَلَدُ فَصُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ. اهـ. رَازِيٌّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا إذَا أَسْلَمَ الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ وَأَبُوهُ كَافِرٌ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَأَبُوهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّ إسْلَامَهُ وَارْتِدَادَهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا أَوْ اُعْتُبِرَ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute