كَانَ الشَّرِيكُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْخَمْسُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِلَّا فَالْأَرْبَعُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ، وَصِيًّا أَوْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَتَقَ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ شَرِيكُهُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ سِوَى السِّعَايَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَضْمِينِ الشَّرِيكِ لِإِعْسَارِهِ، وَلَا إلَى السِّعَايَةِ لِعَدَمِ جِنَايَتِهِ وَرِضَائِهِ، وَلَا إلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ لِلْإِضْرَارِ بِالسَّاكِتِ فَتَعَيَّنَ مَا عَيَّنَاهُ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ، وَاسْتَسْعَى بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ أَيْ لَا يُشَدِّدُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا،
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ غُلَامٌ لَنَا قَدْ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فَأَبْلَى فِيهَا، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَخِي الْأَسْوَدِ وَأُمِّي فَأَرَادُوا عِتْقَهُ، وَكُنْت يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا فَذَكَرَ ذَلِكَ الْأَسْوَدُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَعْتِقُوا أَنْتُمْ فَإِذَا بَلَغَ فَإِنْ رَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ أَعْتَقَ، وَإِلَّا ضَمَّنَكُمْ فَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا بَقِيَ رَقِيقًا، وَالسِّعَايَةُ تَثْبُتُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِسْعَاءِ ثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْجِنَايَةِ بَلْ يُبْنَى عَلَى احْتِبَاسِ الْمَالِيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُصَارُ إلَى الْمُحَالِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّيْنِ، وَلَيْسَ فِيمَا رَوَاهُ مَا يُنَافِي مَذْهَبَنَا بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ «فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ»، وَكَلِمَةُ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا بِعِتْقِهِ أَوْ بِالسِّعَايَةِ
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي «فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ» بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تُنَافِي التَّرْتِيبَ وَلَا التَّرَاخِيَ فَحَمَلْنَا عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَنْ الثِّقَةِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا نَدْرِي أَهُوَ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَالَهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ، وَهُمَا الرَّاوِيَانِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى هِيَ مَكْذُوبَةٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ سَعَى لَهُمَا) أَيْ لَوْ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِعِتْقِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ أَعْتَقْت نَصِيبَك مِنْهُ سَعَى لَهُمَا الْعَبْدُ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْعِتْقِ، وَعَلَى نَفْسِهِ بِالتَّكَاتُبِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ بِهِ اسْتِرْقَاقُهُ، وَيَسْتَسْعِيهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ مُكَاتَبُهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ عِنْدَهُ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ لَا يَبْطُلُ بِالْيَسَارِ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَهُنَا تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ جِهَتِهِ بِالسِّعَايَةِ
وَرَدُّ قَوْلِهِ أَعْتَقَهُ شَرِيكِي أَوْ قَبُولُهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ ذَلِكَ لِمَا عُرِفَ أَنَّ نَصِيبَ السَّاكِتِ رَقِيقٌ عَلَى حَالِهِ، وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُمَا السِّعَايَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ بِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي زَعْمِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُوسِرٌ، وَيَسَارُ الْمُعْتِقِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّ كَسْبَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارَاتُ الْخَمْسُ) الْإِعْتَاقُ وَالتَّضْمِينُ وَالِاسْتِسْعَاءُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ صَبِيًّا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ كَانَ السَّاكِتُ صَبِيًّا وَالْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَالْخِيَارُ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ لِوَلِيِّهِ، وَالتَّضْمِينُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْظَرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ لِيَخْتَارَ قِيلَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قَاضٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ قَاضٍ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا لِيَخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ اخْتِيَارُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الصَّغِيرِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الصَّبِيِّ مُكَاتَبٌ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا التَّضْمِينُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ، وَالِاسْتِسْعَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ فَقَطْ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَنْ يُكَاتِبَ، وَلَكِنْ قَالَ سَبَبُ الِاسْتِسْعَاءِ قَدْ تَقَرَّرَ، وَهُوَ عِتْقُ الشَّرِيكِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الِاسْتِسْعَاءُ أَنْفَعَ مِنْ التَّضْمِينِ فَلِهَذَا مَلَكَ الْمَأْذُونُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ ابْتِدَاءً، وَإِذَا اخْتَارَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمَأْذُونُ التَّضْمِينَ أَوْ الِاسْتِسْعَاءَ فَوَلَاءُ نَصِيبِهِمَا لِمَوْلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْمَوْلَى اهـ
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ) يَعْنِي فِي التَّضْمِينِ أَوْ السِّعَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ) فَالْعِتْقُ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَتَجَزَّأُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَنَصِيبُ شَرِيكِهِ بَاقٍ إلَخْ) لَهُ أَنَّ عُسْرَةَ الْعَبْدِ أَظْهَرُ مِنْ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِمِلْكِ الْمَالِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِعُسْرَتِهِ فَأُولَى الْكُلُّ دَفْعًا لِلْإِضْرَارِ بِالشَّرِيكِ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ قَبْلُ. اهـ. كَافِي
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ إلَخْ) أَرَادَ بِالْعِتْقِ الْإِعْتَاقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ) أَيْ لِلسَّاكِتِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ قَبُولُهُ) أَيْ قَبُولُ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ وَقْتَ السِّعَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ) أَيْ لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى حُرِّيَّتِهِ اهـ