للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْآخَرِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ هَذَا الضَّمَانُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ حَيْثُ يَخْتَلِفُ بِهِمَا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ

وَكَذَا ضَمَانُ التَّدْبِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَخْتَلِفُ بِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قِيلَ الْمُضَارِبُ بِالنِّصْفِ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ أَلْفٌ عَبْدَيْنِ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ عَتَقَا، وَضَمِنَ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَهُوَ ضَمَانُ إعْتَاقٍ، وَمَعَ هَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا قُلْنَا هَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ هُوَ إفْسَادٌ لَا ضَمَانُ سِرَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَعْتَقَهُمَا أَفْسَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْإِعْتَاقِ لِكَوْنِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَظْهَرُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقَا، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي التَّضْمِينِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سِرَايَةِ الْفَسَادِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْإِفْسَادُ، وَلَا التَّمَلُّكُ، وَلَا الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ هِيَ أُمُّ وَلَدِك، وَأَنْكَرَ تَخْدُمُهُ يَوْمًا، وَتَتَوَقَّفُ يَوْمًا) أَيْ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَزَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ يَوْمًا، وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَيْسَ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا، وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونَ حُرَّةً، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا الْمُنْكِرُ أَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يُحَالَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ دُونَ السِّعَايَةِ

وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ بِدَعْوَى انْتِقَالِهَا إلَى شَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُقِرَّ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَسْتَخْدِمُهَا فَكَذَا هَذَا، وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى شَرِيكِهِ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ فَإِذَا بَطَلَ الِاسْتِخْدَامُ، وَصَارَتْ مَالِيَّتُهَا مَحْبُوسَةً عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَيْرِ وَجَبَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ ثُمَّ تَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْغَيْرِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُنْكِرُ الِاسْتِيلَادَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَتْ كَأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا، وَتَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ لِتَعَذُّرِ؛ الِاسْتِخْدَامِ وَالِاسْتِدَامَةِ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ إذَا أَدَّتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا إلَى الْمُنْكِرِ عَتَقَ كُلُّهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ فَثَبَتَ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَهُوَ النِّصْفُ، وَلَا خِدْمَةَ لِلْمُقِرِّ

وَلَا اسْتِسْعَاءَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ ذَلِكَ بِدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ مِنْ شَرِيكِهِ وَبِدَعْوَى الضَّمَانِ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ) فَأَشْبَهَ الِاسْتِيلَادَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَخْتَلِفُ بِهِمَا) وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَمَانُ إفْسَادٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً يَوْمًا أَنْ تُرْفَعَ عَنْهَا الْخِدْمَةُ يَوْمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُقِرِّ عَلَيْهَا سَبِيلٌ اهـ (قَوْلُهُ وَتَخْدُمُ الْمُنْكِرَ يَوْمًا) يَعْنِي لَيْسَ لَهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا سَبِيلَ) يَعْنِي لِلْمُقِرِّ بِالِاسْتِيلَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ لَهُمَا أَنَّ الْمُقِرَّ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْ عَلَى شَرِيكِهِ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَلَا سِعَايَةَ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَمَانَ التَّمَلُّكِ عَلَى شَرِيكِهِ دُونَ السِّعَايَةِ، وَامْتَنَعَتْ الْخِدْمَةُ عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ نَفَذَ الِاسْتِيلَادُ عَلَى الْمُقِرِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا، وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا لَا يَكُونُ لِلْمُنْكِرِ الِاسْتِخْدَامُ فَكَذَا هَذَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِخْدَامِ، وَمَالِيَّتُهَا مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُ الْمُقِرِّ لِإِنْكَارِهِ الِاسْتِيلَادَ مِنْ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ، وَلَوْ كُذِّبَ فَلَهُ نِصْفُهَا، وَكَانَ النِّصْفُ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَأَثْبَتْنَاهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا يَوْمًا، وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً يَوْمًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَمَّا الْمُقِرُّ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ الْغَيْرِ، وَأَمَّا الْمُنْكِرُ فَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ السِّعَايَةَ لِلِاسْتِخْرَاجِ عَنْ الرِّقِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهَا، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِ صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْمِلْكَ فِيهَا إلَى ثُبُوتِهِ، وَالْمُنْكِرُ يَزْعُمُ أَنَّهَا قِنَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا اهـ

(قَوْلُهُ إنَّ الْمُقِرَّ لَوْ صُدِّقَ كَانَتْ الْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِلْمُنْكِرِ) لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كُذِّبَ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْخِدْمَةِ) لِأَنَّهَا قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا خِدْمَةَ لِلْمُقِرِّ، وَلَا اسْتِسْعَاءَ لَهُ عَلَيْهَا) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا هُوَ أَيْضًا قَوْلُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ قَوْلِهِمَا حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا لِلْمُقِرِّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ دُونَ السِّعَايَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا إلَخْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَسْتَسْعِيهَا، وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُنْكِرِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِدْمَةُ دُونَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَالَا لَهُ الِاسْتِسْعَاءُ دُونَ الْخِدْمَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ ك قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ، وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ، وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا احْتِبَاسَ

وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا لِتَسْتَعِينَ بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَبَرَّأُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِسْعَاءِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>