فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ وَكَالنَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ الَّتِي لَا جِرْمَ لَهَا بِخِلَافِ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْخَبَرِ حَتَّى اكْتَفَى بِهِ فِي الثَّوْبِ وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ صَلْبٌ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ جِرْمِ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تَتَدَاخَلُهُ رُطُوبَتُهَا وَذَلِكَ قَلِيلٌ أَوْ يَجْتَذِبُهُ الْجِرْمُ إذَا جَفَّ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَسْحِ إلَّا قَلِيلٌ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ فَصَارَ كَالسَّيْفِ وَالْحَدِيدِ الصَّقِيلِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَخَلْخِلَانِ فَيَتَدَاخَلُهُمَا أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ وَبِخِلَافِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ لِينَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَمَا بِهِ مِنْ الْعَرَقِ يَمْنَعُ مِنْ الْجَفَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا يُغْسَلُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِرْمٌ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَتَشَرَّبُ فِيهِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَقِيلَ: إذَا مَشَى عَلَى الرَّمْلِ أَوْ التُّرَابِ فَالْتَصَقَ بِالْخُفِّ أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمْلًا أَوْ رَمَادًا فَمَسَحَهُ يَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجِرْمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْجَفَافِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ جِرْمٌ وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَيْسَ بِجِرْمٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمَنِيِّ آدَمِيٍّ يَابِسٍ بِالْفَرْكِ، وَإِلَّا يُغْسَلُ) أَيْ إذَا تَنَجَّسَ الْخُفُّ أَوْ الثَّوْبُ بِمَنِيٍّ وَيَبِسَ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَابِسًا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَنِيُّ لَيْسَ بِنَجِسٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَغْسِلُهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «قَالَتْ كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ يُصَلِّي» وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَلَمَا اكْتَفَى بِالْفَرْكِ فِيهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَإِنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحِيهِ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ»؛ وَلِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ الْبَشَرِ فَصَارَ كَالطِّينِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كُنْت أَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ وَعَدَّ مِنْهَا الْمَنِيَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ إنْ رَأَيْته فَاغْسِلْهُ، وَإِلَّا فَاغْسِلْ الثَّوْبَ كُلَّهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَنِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ؛ وَلِأَنَّهُ دَمٌ اسْتَحَالَ بِالنُّضْجِ مِنْ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْوِقَاعُ حَتَّى فَتَرَتْ شَهْوَتُهُ يُخْرِجُ دَمًا أَحْمَرَ، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْسِلِيهِ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ يَابِسًا»؛ وَلِأَنَّهُ لَزِجٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ أَجْزَاؤُهُ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ أَوْ يَقِلُّ وَالْقَلِيلُ مَعْفُوٌّ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْإِمَاطَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَلِيلًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْغَسْلِ وَتَشْبِيهُهُ بِالْمُخَاطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنْظَرِ فِي الْبَشَاعَةِ لَا فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ» مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آكَدُ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ مِنْ خَبَرِهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لِلْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَتَشَبَّثَ بِثِيَابِهِ وَتُشْغِلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ هَيَّأْت لَهُ الطَّعَامَ وَهُوَ يَأْكُلُ أَيْ يَأْكُلُ بَعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ مِنْ النَّجَسِ، ثُمَّ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ نَجِسًا وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ الطَّاهِرُ كَاللَّبَنِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الدَّمِ وَهُوَ أَصْلُهُ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يُخْلَقُ مِنْهُمَا الْبَشَرُ وَإِنْ كَانَا نَجِسَيْنِ.
ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ قَبْلَ الْمَذْيِ أَمَّا لَوْ خَرَجَ الْمَذْيُ أَوَّلًا، ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يُمْذِي، ثُمَّ يُمْنِي وَالْمَذْيُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ فَيُجْعَلُ تَبَعًا لَهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رَأْسِ ذَكَرِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عِنْدِي أَنَّ الْمَنِيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ وَلَمْ يَنْتَشِرْ عَلَى رَأْسِهِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي هُوَ دَاخِلُ الذَّكَرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَمُرُورُ الْمَنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَشَرَ عَلَى رَأْسِ الْإِحْلِيلِ حَيْثُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي خَارِجَ الْإِحْلِيلِ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ حَتَّى لَوْ بَالَ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْبَوْلُ ثُقْبَ الْإِحْلِيلِ يُكْتَفَى بِالْفَرْكِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَنِيُّ شَيْئًا لَهُ بِطَانَةٌ فَنَفَذَ إلَى الْبِطَانَةِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِالدَّلْكِ بِلَا غَسْلٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ) أَيْ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا خُفًّا كَانَ أَوْ ثَوْبًا أَيْ بِالْغَسْلِ لَا بِالدَّلْكِ قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ الدَّلْكَ حِينَئِذٍ يَزِيدُهُ انْتِشَارًا أَوْ تَلَوُّثًا. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ تَبَعًا لَهُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِيَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ أَعْنِي اعْتَبَرَهُ مُسْتَهْلِكًا لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْغُسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَرْكِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتَطْهِيرُ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ رَخْوَةً بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ صَلْبَةً قَالُوا يُصَبُّ عَلَيْهَا، ثُمَّ تُنَشَّفُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَإِنْ صَبَّ عَلَيْهَا كَثِيرًا حَتَّى تَصَرَّفَتْ النَّجَاسَةُ وَلَمْ يَبْقَ رِيحُهَا وَلَا لَوْنُهَا وَتُرِكَتْ حَتَّى جَفَّتْ طَهُرَتْ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute