عَمَلُ هَذَا السَّبَبِ فِي الْحَالِ فِي إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا إذْ قَصْدُهُ اسْتِفْرَاشُهَا إلَى الْمَمَاتِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فَإِذَا مَاتَ اسْتَغْنَى عَنْهَا فَظَهَرَتْ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَقَبْلَهُ الْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَنْعَقِدَ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ إذْ التَّعْلِيقَاتُ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ أَسْبَابًا عِنْدَ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةً عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَظَهَرَ أَثَرُ الِانْعِقَادِ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ خَاصَّةً، وَالنَّصْرَانِيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا، وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِ وَمَا يَدِينُ كَبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّا حَكَمْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَوُجُوبُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّقَوُّمِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَا يَضْمَنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِإِعْتَاقِهَا) يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ لِلسَّاكِتِ شَيْئًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَذْهَبَيْنِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةُ مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَمِنْهَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يَعْتِقُ، وَلَا يَسْعَى لِلْحَيِّ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَهُ، وَمِنْهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَصَارَتْ كُلُّهَا لَهُ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا، وَمِنْهَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَاتَتْ الْجَارِيَةُ، وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْوَلَدَ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ، وَلَا يَرُدَّ حِصَّةَ الْأُمِّ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَعَتَقَ، وَلَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَهُ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ فَلَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَيَسْعَى لَهُ الْوَلَدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ السَّبَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ فِي الْقِنَّةِ فَضْلًا أَنْ تَكُونَ أُمُّ وَلَدٍ قَبْلَهُ حَتَّى قَالَ لَا تَغْرَمُ قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ الضَّمَانِ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَأُمِّهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَهُوَ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الدَّعْوَى إعْتَاقٌ كَانَ مُسْتَقِيمًا، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى نَحْوِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الصَّبِيُّ الْحُرُّ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَوْ قَرَّبَهَا إلَى مَسْبَعَةٍ فَافْتَرَسَهَا السَّبْعُ يَضْمَنُ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ، وَلِهَذَا يُضْمَنُ الصَّبِيُّ الْحُرُّ بِمِثْلِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ أَعْبُدٌ قَالَ لِاثْنَيْنِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ آخَرُ، وَكَرَّرَ، وَمَاتَ بِلَا بَيَانٍ عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ، وَنِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ) أَيْ رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ اثْنَانِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرُّ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ عَتَقَ مَنْ الَّذِي أُعِيدَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى ثَابِتًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ، وَهُوَ الْخَارِجُ وَالدَّاخِلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي الدَّاخِلِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ أَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالْخَارِجِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، وَالْإِيجَابُ الثَّانِي كَذَلِكَ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ نِصْفًا فَكَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَالنَّصْرَانِيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا) أَيْ وَجَوَازَ بَيْعِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا) لِأَنَّ فِي إبْقَائِهَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ إضْرَارًا بِهَا، وَإِبْطَالُ حَقِّ النَّصْرَانِيِّ مَجَّانًا إضْرَارٌ بِهِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا كَانَتْ أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا) أَيْ، وَهُوَ مُوسِرٌ انْتَهَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضْمَنُ) أَيْ نِصْفَ قِيمَتِهَا انْتَهَى هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا) وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَتْ لِلسَّاكِتِ فِيهِ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ) أَيْ يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَسْعَى لَهُ) أَيْ لِلشَّرِيكِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ) وَكَمَا لَوْ قَتَلَهَا حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَهُ أَعْبُدٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا أَيْضًا مِنْ عِتْقِ الْبَعْضِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ بَعْضُ الْوَاحِدِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي بَعْضِ الْمُتَعَدِّدِ فَنَزَلَ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي عِتْقِ بَعْضِ مَا هُوَ بَعْضٌ لِهَذَا، وَهُوَ الْوَاحِدُ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ) وَذَلِكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ إلَخْ فَمَا دَامَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ انْتَهَى فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُبَيِّنَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ بَيَانِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيَانِ، وَحُكْمُ هَذَا الْقَوْلِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ، وَلِلْعَبْدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ، وَهُوَ الْعَبْدُ لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عِتْقٌ، وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْشَاءً فِي الْمُبْهَمِ الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِحُكْمِهِ، وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ إنْشَائِيَّتُهُ، وَصَارَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ، وَهُوَ الثَّابِتُ فَلَا يُفِيدُ فِي الْخَارِجِ عِتْقًا انْتَهَى
(قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى ثَابِتًا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُمَا يَعْتِقُ النِّصْفُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مَعَ قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ تَجْزِئِ الْإِعْتَاقِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِعَدَمِ تَجْزِيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ أَمَّا إذَا كَانَ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِانْقِسَامِهِ انْقَسَمَ ضَرُورَةً، وَالْحَاصِلُ عَدَمُ التَّجْزِيءِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ، وَرَدَّهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِمَنْعِ ضَرُورَةِ الِانْقِسَامِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَتَقَ مِنْهُ الْبَعْضُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يُقَرُّ فِي الرِّقِّ بَلْ يَسْعَى فِي بَاقِيهِ حَتَّى يُخَلَّصَ كُلُّهُ حُرًّا فَيُمْكِنَ أَنْ نَقُولَ يَعْتِقُ جَمِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَسْعَى فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ انْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute