للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ مَمْلُوكَيْهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي، وَصِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَفِي الطَّلَاقِ تُقْبَلُ إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الشَّرْعِ

وَعَدَمُ الدَّعْوَى فِيهِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ، وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ بِمَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ، وَيَجُوزُ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ، وَلَا يَصِحُّ إيجَابُ الْحَقِّ لِلْمَجْهُولِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ اسْتِرْقَاقِهِ، وَالْحُرْمَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ، وَعَدَّ مِنْهَا مَنْ اسْتَرَقَ حُرًّا»، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْمِيلُ الْحُدُودِ، وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَتَثْبُتُ بِهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَلَا يُمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ بِالتَّنَاقُضِ فِي دَعْوَى الْعِتْقِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى شَرْطًا لَكَانَ مَانِعًا لِأَنَّ التَّنَاقُضَ بِعَدَمِ الدَّعْوَى، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا كَانَ قُرْبَةً يَتَأَدَّى بِهِ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ فِيهِ شَهَادَةُ الْفَرْدِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا دِينِيًّا قُلْنَا فِيهِ إلْزَامٌ، وَإِنْ كَانَ دِينِيًّا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ لِنَفْسِهِ

وَالْقُوَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ نَفْسُهُ بِجَمِيعِ مَعَانِيهِ وَأَوْصَافِهِ، وَالْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهَا مَالِكًا لِنَفْسِهِ وَأَكْسَابِهِ، وَمَالِكِيَّةُ الْأَكْسَابِ حَقُّ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اخْتِصَاصٍ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ثَمَرَاتُ الْعِتْقِ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلْمَشْهُودِ بِهِ فَإِذَا كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ فِيهِ عَلَى دَعْوَاهُ، وَحَقُّ الْعَبْدِ قَدْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالتَّنَاقُضُ فِيهِ عَفْوٌ لِخَفَائِهِ كَدَعْوَى النَّسَبِ بِخِلَافِ عِتْقِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ، وَحُرْمَةُ الْفَرْجِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ، وَإِذَا كَانَ الدَّعْوَى شَرْطًا عِنْدَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي عَيْنِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَفِي عِتْقِ الْأَمَةِ إنَّمَا قُبِلَتْ لِتَضَمُّنِهَا تَحْرِيمَ الْفَرْجِ، وَلَيْسَ فِي عِتْقِ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَتَكُونُ الدَّعْوَى شَرْطًا فِيهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى إجْمَاعًا فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ سُقُوطُ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْأَمَةِ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ فَرْجِهَا عَلَى الْمُعْتِقِ لَمَّا قُبِلَتْ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَعَلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِعَدَمِ تَضَمُّنِ الْحُرْمَةِ قُلْنَا لَا يَخْلُو عَنْ إثْبَاتِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبًا لِلْحُرْمَةِ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ بِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَيُنْتَقَصُ بِهِ الْعِدَدُ أَيْضًا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحُرْمَةِ

وَالْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا الْحَدَّ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ، وَبَعْدَ الْعِتْقِ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ، وَكَذَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يُوجِبُ وَطْؤُهَا الْحَدَّ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ، وَبُضْعُهَا مَمْلُوكٌ لَهُ حَتَّى يَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ، وَيَمْلِكَ الْعُقْرَ إذَا وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَلِأَنَّ الْأَمَةَ مُتَّهَمَةٌ فِي تَرْكِهَا الدَّعْوَى أَوْ فِي إنْكَارِهَا لِمَا لَهَا مِنْ الْحَظِّ عِنْدَ الْمَوْلَى فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُتَّهَمًا بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ فِي طَرَفِهِ فَأَنْكَرَ الْعِتْقَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ، وَفِي حُزِّيَّةِ الْأَصْلِ قِيلَ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْأُمِّ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَصِيَّةٌ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَالْخَصْمُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي لِأَنَّ وُجُوبَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّهِ، وَنَفْعُهُ يَعُودُ إلَيْهِ، وَإِنْكَارُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَلَهُ خُلْفٌ، وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ الْخُلْفِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ يَشِيعُ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ حَتَّى يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ كُلٌّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا إلَخْ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ طَلَاقٌ مُبْهَمٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ) وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُتَضَمِّنٌ لِتَحْرِيمِ الْفَرْجِ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى انْتَهَى (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ) يَعْنِي حَقَّ اللَّهِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا تُسْتَرَقَّ الْأَحْرَارُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ) أَيْ عِنْدَهُ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ أَحَدِ عَبْدَيْهِ انْتَهَى رَازِيٌّ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) إنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى، وَالدَّعْوَى مِنْ الْمُبْهَمِ لَا تُتَصَوَّرُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ إلَخْ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا فِي وَصِيَّةٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَوْ فِي صِحَّتِهِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا) ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ، وَقَالَ لَوْ قَالَا أَيْ الشَّاهِدُ إنْ كَانَ هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ اسْتَحْسَنْت أَنْ أُعْتِقَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُعَادَةِ، وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ أَحَدُ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ حُرٌّ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ قَالَ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ، وَيَمُوتُ الْقَائِلُ وَيَتْرُكُ وَرَثَةً فَيُنْكِرُونَ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ فِي الصِّحَّةِ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا الشَّهَادَة عَلَى طَلَاقِ الْمَرْأَةِ، وَعَلَى طَلَاقِ إحْدَى النِّسَاءِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ بِلَا دَعْوَاهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة خِلَافًا لَهُمَا، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ أَنْتَهَى

<<  <  ج: ص:  >  >>