للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ حَالُ الْمَوْتِ فِيهِمَا مَقْصُودًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَا يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاسْتَحْدَثَ غَيْرَهُ يَتَنَاوَلُهُمَا إذَا بَقِيَا فِي مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ

وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ وَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَادٌ دَخَلَ الْكُلُّ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَ لِمَا مَرَّ فَصَارَ إيجَابًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَيْضًا إيصَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَتَنَاوَلُ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لِمَا مَرَّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْمَوْتِ فَعَمَلنَا بِمُوجِبِهِمَا فَأَعْمَلْنَا الْإِيجَابَ فِي الْمَمْلُوكِ لِلْحَالِ وَأَعْمَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِ وَفِي الْمُسْتَحْدَثِ فَإِذَا تَنَاوَلَهُمَا الْإِيجَابُ صَارَ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَقْتَ التَّكَلُّمِ دَاخِلًا فِيهِ بِلَا احْتِمَالٍ فَصَارَ مُدَبَّرًا وَاَلَّذِي يَمْلِكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ يَتَنَاوَلُ الِاسْتِقْبَالَ لِقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي وَجَبَ أَنْ يَصِيرَ مَا اشْتَرَاهُ مُدَبَّرًا ثُمَّ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَالْجَوَابُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ وَمَنْ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ جَازَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ الْمَوْتِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ غَدًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا) أَيْ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ قَوْلُهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي اهـ

(قَوْلُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَ) أَيْ وَالْحَالُ نَوْعَانِ رَاهِنَةٌ وَمُتَرَبَّصَةٌ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَالْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَمْلِكُهُ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ وَمَا يَمْلِكُهُ حَالَ الْمَوْتِ فَإِذَا تَنَاوَلَهُمَا الْإِيجَابُ صَارَ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَقْتَ التَّكَلُّمِ مُرَادًا بِهِ بِلَا احْتِمَالٍ فَصَارَ مُدَبَّرًا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فَأَمَّا الَّذِي مَلَكَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُرَادًا بِهِ لِأَنَّ مَا بَيْنَ حَالِ التَّكَلُّمِ وَحَالِ الْمَوْتِ مُسْتَقْبَلٌ مَحْضٌ لَيْسَ مِنْ الْحَالِ فِي شَيْءٍ فَإِذَا بَاعَهُ فَقَدْ بَاعَهُ قَبْلَ وُجُوبِ حَقِّ الْعِتْقِ فَصَحَّ وَإِذَا لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَتَنَاوَلُهُ الْإِيجَابُ حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ وَاقِعًا عَلَى حَالِ الْمَوْتِ فَوَجَبَ لَهُ الْعِتْقُ وَصَارَ مُوصَى لَهُ فَزَاحَمَ الْأَوَّلَ فِي الثُّلُثِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا يُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ كَذَا فِي الْكَافِي قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا أَرَادَا بِقَوْلِهِ أَمْلِكُهُ الْحَالَةَ الرَّاهِنَةَ وَالْمَحْكِيَّةَ جَمِيعًا وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ حَقِيقَةٌ وَالْمَحْكِيَّةُ مَجَازٌ لِأَنَّ فِي الْمَحْكِيَّةِ لَا يَكْذِبُ وَأَيْضًا لَا تُرَادُ بِلَا قَرِينَةٍ وَذَلِكَ أَمَارَةُ الْمَجَازِ اهـ

{فُرُوعٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ} قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بَعْدَ الشَّرْطِ وَبَعْدَ الْبَيْعِ هُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بَاقٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ تَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ وَقْتُ نُزُولِ الْعِتْقِ هُوَ وَقْتُ زَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُمَا مَعًا يَتَعَقَّبَانِ الْبَيْعَ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَالِ تَقَرُّرِ زَوَالِهِ

وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ انْحِلَالِ الْيَمِينِ نُزُولُ الْجَزَاءِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدَ الْبَيْعُ حَتَّى اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ بُطْلَانِ الْيَمِينِ عِنْدَنَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الْأُخْرَى عَتَقَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَكَلَّمَ فُلَانًا لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ شَرْطُ الْعِتْقِ لَيْسَ إلَّا الْكَلَامَ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَامِ وَجَزَائِهِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ بِالدُّخُولِ فَالدُّخُولُ شَرْطُ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْيَمِينِ لَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَكَلَامُهُ غَيْرُ مَوْقِعٍ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَمَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيَصِيرُ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ قَائِمًا وَالتَّدْبِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّدْبِيرُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِهِ

وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ فَفَعَلَ مَا عُلِّقَ عِتْقُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ إلًّا نِصْفُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ الْمُعَلِّقُ وَالْمُعَلَّقُ كَأَنْ عَتَقَ النِّصْفُ وَالْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدً أَبِي حَنِيفَةَ فَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهِ لِسَيِّدِهِ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فَلَا يَسْعَى وَلَوْ كَانَ بَاعَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَ شَرِيكِهِ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ النِّصْفُ الْمُبْتَاعُ لَا الْمُسْتَحْدَثُ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَمَا لَا يَقَعُ فِيهِ الْعِتْقُ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ حِمَارٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا أَوْ قَالَ هَذَا أَوْ هَذَا عَتَقَ عَبْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَقَالَا لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَمِثْلُهُ وَأَصْلُهُ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَأُسْطُوَانَةٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ عَبْدُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ إيجَابُ الْحُرِّيَّةِ لِلْجَزْمِ وَلَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ بِإِيجَابٍ لَهَا كَقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ لَا وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّرْطِ قَالَ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ فُلَانٌ وَآخَرُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عَتَقَ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَصَاحِبُ الدَّارِ فِي شَهَادَتِهِ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فَصَحَّتْ شَهَادَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْته فَشَهِدَ هُوَ وَآخَرُ أَنَّهُ كَلَّمَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ فُلَانًا فِي هَذِهِ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى الشَّرْطِ فَلَوْ شَهِدَ ابْنَا فُلَانٍ أَنَّهُ كَلَّمَ أَبَاهُمَا

فَإِنْ جَحَدَ الْأَبُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهَا عَلَى أَبِيهِمَا بِالْكَلَامِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ ادَّعَاهُ أَبُوهُمَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ بَاطِلَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَشْهُودِ بِهِ لِأَبِيهِمَا فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الْمَنْفَعَةَ لِثُبُوتِ التُّهْمَةِ وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَالْإِمْكَانِ لِأَنَّ بِشَهَادَتِهِمَا يُظْهِرَانِ صِدْقَهُ فِيمَا يَدَّعِيه وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ فِي النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>