للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُكَابَرَةً وَعِنَادًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِهِ) أَيْ يَبْدَأُ الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُشْتَرَطُ بُدَاءَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ حِينَ رَجَمَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ شَهِدَ عَلَى هَذِهِ أَحَدٌ لَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي الشَّاهِدُ يَشْهَدُ ثُمَّ يُتْبِعُ شَهَادَتَهُ حَجَرَهُ وَلَكِنَّهَا أَقَرَّتْ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ رَمَاهَا بِحَجَرٍ قَالَ الرَّاوِي ثُمَّ رَمَى النَّاسُ وَأَنَا فِيهِمْ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَتَجَاسَرُ عَلَى الشَّهَادَةِ ثُمَّ يَسْتَعْظِمُ الْمُبَاشَرَةَ فَيَأْبَى أَوْ يَرْجِعُ فَكَانَ فِي بُدَاءَتِهِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ فَيُخَافُ أَنْ يَقَعَ مُهْلِكًا أَوْ مُتْلِفًا لِعُضْوٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَبُو أُسْقِطَ) أَيْ إنْ أَبَى الشُّهُودُ مِنْ الْبُدَاءَةِ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ جَنُّوا أَوْ فَسَقُوا أَوْ قَذَفُوا فَحُدُّوا أَوْ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّارِئَ عَلَى الْحَدِّ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمَوْجُودِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمْ إذَا امْتَنَعُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرْمُوا أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي رُجِمَ بِحَضْرَتِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَقْصِدُونَ بِذَلِكَ مَقْتَلَهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ لِأَنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةٌ وَرُوِيَ «أَنَّ حَنْظَلَةَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ أَبِيهِ وَكَانَ كَافِرًا فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ دَعْهُ يَكْفِيكَ غَيْرُكَ» وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصِلَةِ الرَّحِمِ فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا ثُمَّ النَّاسُ) أَيْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ إنْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ ارْمُوا وَكَانَتْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا» وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ «سُئِلَ عَنْ غُسْلِ مَاعِزٍ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ فَلَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْغُسْلُ كَالْقَتْلِ بِقِصَاصٍ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ «وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْغَامِدِيَّةِ بَعْدَمَا رُجِمَتْ وَكَانَتْ أَقَرَّتْ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَالَ السُّبْكِيُّ لَعَلَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ عَلَيْنَا حَلَّ هَذَا الْإِشْكَالِ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا نَطَقَ بِالصَّوَابِ وَلَكِنَّا نَتَّهِمُ فَهْمَنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَكَتَبْتهَا مُنَبِّهًا عَلَى نَسْخِ تِلَاوَتِهَا لِيَكُونَ فِي كِتَابَتِهَا فِي مَحِلِّهَا أَمْنٌ مِنْ نِسْيَانِهَا بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنْ قَدْ تُكْتَبُ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ فَيَقُولُ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فَتَرَكْت كِتَابَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ مِنْ دَفْعِ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ لَا يُحْسِنُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِلَا ضَمِيرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ أَبَى الشُّهُودُ مِنْ الْبُدَاءَةِ يَسْقُطُ الْحَدُّ) أَيْ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَحُدُّونَهُمْ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِمْ وَلَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ فَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِمْ تَضْعُفُ نُفُوسُهُمْ عَنْ الْقَتِيلِ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ كَمَا تَرَاهُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ امْتِنَاعِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْحَلَالِ الْأَكْلِ وَالْأُضْحِيَّةِ بَلْ وَمِنْ حُضُورِهَا فَكَانَ امْتِنَاعُهُمْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ شُبْهَةٌ فِي انْدِفَاعِ الْحَدِّ عَنْهُمْ وَقِيلَ يُحَدُّونَ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَذَفُوا فَحُدُّوا) أَيْ سَوَاءٌ اعْتَرَضَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْإِمْضَاءُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْقَضَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِاعْتِرَاضِ مَا يُخْرِجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ فَسَقَ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا وَفِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ

أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَكَذَلِكَ مَا سِوَى الْحُدُودِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتُوا) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ فَإِنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ رَجَمَهُ النَّاسُ عَنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِابْتِدَاءِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي أَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَتَسَاهَلَ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ فَإِذَا امْتَنَعَ حِينَئِذٍ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ شُبْهَةِ تَقْصِيرِهِ فِي الْقَضَاءِ وَهِيَ دَارِئَةٌ فَكَأَنَّ الْبُدَاءَةَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ إذْ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَا أَنَّهُ جُعِلَ شَرْطًا بِذَاتِهِ وَهَذَا فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنْتَفٍ فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ إذَا لَمْ يَبْدَأْ

وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ الْإِمَامُ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهَا (قَوْلُهُ الْغَامِدِيَّةُ) مَنْسُوبَةٌ إلَى بَنِي غَامِدٍ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ) أَيْ فَإِنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُغَسَّلُ لِيَكُونَ الْأَثَرُ شَاهِدًا لَهُ وَلِإِظْهَارِ زِيَادَةِ تَشْرِيفِهِ بِقِيَامِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اهـ. كَمَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>