للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَضْمَنُوا وَإِنْ ثَبَتُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا لَمْ يَضْمَنُوا بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِيمَا عَمِلُوا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا كَالْقَاضِي وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ ضَمِنُوا لَكَانَ ضَمَانَ عُدْوَانٍ وَذَلِكَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ بِالتَّسْبِيبِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَظَاهِرٌ

وَكَذَا التَّسْبِيبُ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ الزِّنَا وَهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهُ وَإِنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ فَيَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِتَبَيُّنِ خَطَأِ الْإِمَامِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَعْمَلُ وَلَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَصَارَتْ كَعِلَّةِ الْعِلَّةِ لِإِلْزَامِهِمْ الْقَاضِيَ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي التَّزْكِيَةِ دُونَ شُهُودِ الْإِحْصَانِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ قَرِيبٍ وَالشَّهَادَةُ مُوجِبَةٌ لِلْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدُوا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَخْبَرُوا لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ وَأَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ وَظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنُوا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي ذَلِكَ إذْ الرِّقُّ لَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ إذْ هِيَ اجْتِنَابُ الْمَحْظُورَاتِ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ حَيْثُ اكْتَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ لَمْ يَقَعْ شَهَادَةً وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ وُجِدَ الشُّهُودُ كُفَّارًا

وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَمَعْنَاهُ قَتْلُهُ عَمْدًا بَعْدَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَهَذَا لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمَّا ظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَصِرْ مُبَاحَ الدَّمِ وَقَدْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ الرَّجْمُ وَهَذَا جَزٌّ فَلَمْ يُوَافِقْ أَمْرَ الْقَاضِي لِيَصِيرَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي نَفَذَ ظَاهِرًا وَحِينَ قَتَلَهُ كَانَ الْقَضَاءُ صَحِيحًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ ثُمَّ ظَهَرَ بِخِلَافِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَعَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ حَيْثُ يَجِبُ حَالًّا لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ

وَفِي الْكَافِي وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَمَرَ الْإِمَامُ بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ يَجِبُ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالرَّجْمِ وَإِنْ قُضِيَ بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشُّهُودُ عَبِيدًا وَلَا كُفَّارًا وَأَمَّا إذَا وُجِدُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَوْ رَجَمَهُ كَمَا أَمَرَ الْإِمَامُ ثُمَّ وُجِدَ الشُّهُودُ عَبِيدًا فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْجَزِّ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ وَلِهَذَا يُؤَدِّبُهُ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رُجِمَ فَوُجِدُوا عَبِيدًا فَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ لِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفِسْقِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عَوْرَةِ الْغَيْرِ عَمْدًا فِسْقٌ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ يُبَاحُ النَّظَرُ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: ٢] وَقَالَ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وَلَا وَجْهَ إلَى التَّحَمُّلِ إلَّا بِالنَّظَرِ عَمْدًا لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَتَّفِقُ نَظَرُ الْأَرْبَعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَالْمَيْلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَلِأَنَّ التَّعَمُّدَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ جَائِزٌ كَالطَّبِيبِ وَالْخَافِضَةِ وَالْخَاتِنِ وَالْقَابِلَةِ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ هُنَا ثَابِتَةٌ لِإِقَامَةِ الْحِسْبَةِ وَتَقْلِيلِ الْفَسَادِ فِي الْعَالَمِ وَأَيَّةُ حَاجَةٍ أَعْظَمُ مِنْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْإِبَاحَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ رُجِمَ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يُنْكِرَ الدُّخُولَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِذَا جَاءَتْ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ جُعِلَ وَاطِئًا شَرْعًا لِأَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ نَسَبَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ بِهَا وَلِهَذَا يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ عَاقِلَةٍ وَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ تُقْبَلُ وَيُرْجَمُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَتَوَابِعِهِ وَزُفَرُ يَقُولُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ) أَيْ وَالْإِسْلَامِ. اهـ. كَافِي

(قَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى {فَأَشْهِدُوا} [النساء: ٦] التِّلَاوَةُ فَاسْتَشْهِدُوا (قَوْلُهُ وَالْخَافِضَةِ) قَالَ فِي الصِّحَاح وَخَفَضْتُ الْجَارِيَةَ مِثْلَ خَتَنْتُ الْغُلَامَ وَاخْتَفَضَتْ هِيَ وَالْخَافِضَةُ الْخَاتِنَةُ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>