للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقَّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ، وَنَحْنُ رَجَّحْنَا جَانِبَ الْمَقْصُودِ وَالِاسْم فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إخْلَاءُ الْعَالَمِ عَنْ الْفَسَادِ فَكَانَ فِيهِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَرْجِعُ إلَى حَقِّ الْعَامَّةِ فَكَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ وَتَسْمِيَتُهُ بِالْحَدِّ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِحْصَانُ وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا عِنْدَ السُّقُوطِ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَمَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحَقِّ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ إذْ الْمَقْصُودُ وَاحِدٌ فَأَمْكَنَ مُرَاعَاتُهُ لِأَنَّ مَا لِلْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَكْسُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْحَقَّانِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُنَا أَمْكَنَ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَفْوَهُ يَصِحُّ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ بِهِ كَمَوْتِهِ قُلْنَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ فَيُطَالِبُ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ بِقَذْفِهِ أَلْحَقَ الْعَارَ بِالْمَقْذُوفِ قَصْدًا وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ تَبَعًا فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُ الْقَصْدِيُّ بِالْمَوْتِ بَطَلَ الضِّمْنِيُّ ضَرُورَةً وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ

وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ وَأَجَابَ عَنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِجَوَابٍ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِنَا فَقَالَ فِي تَفْوِيضِ الْإِقَامَةِ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا لَا يُورَثُ لِكَوْنِهِ مُجَرَّدَ حَقٍّ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مِلْكِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ مَوْلًى عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْإِقَامَةِ وَلِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي الْعَفْوِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رِضًا بِالْعَارِ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ وَعَنَى الصُّعُودَ حُدَّ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ

وَارْقَأْ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ

أَيْ صُعُودًا وَذِكْرُ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادًا وَحَرْفُ " فِي " لَا يُنَافِي الصُّعُودَ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: ١٢٥] فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يُورِثَ الشُّبْهَةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ لِلْفَاحِشَةِ لَا لِلصُّعُودِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ زَنَأْتُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لَا يُنَافِي الْفَاحِشَةَ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَهْمِزُ الْمُلَيَّنَ يُقَالُ دَأْبَةٌ وَشَأْبَةٌ وَبَيْأَضٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُ مِنْ غَيْرِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا يُلَيِّنُونَ الْمَهْمُوزَ كَرَاسٍ وَآدَمَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَهْمُوزِ وَالْمُلَيَّنِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَعْنِ بِهِ الصُّعُودَ يَجِبُ الْحَدُّ إجْمَاعًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا أَوْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَمَا وَجَبَ.

وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى إذْ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَالسِّبَابِ وَدَلَالَةُ الْحَالِ تُرَجِّحُ جَانِبَ الْفَاحِشَةِ وَاسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ فِي بِمَعْنَى كَلِمَةِ عَلَى مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] فَلَا تُزَاحِمُ الْحَقِيقَةَ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِهَا وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ زَنَيْتُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الزِّنَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَلَوْ قَالَ زَنَأْت عَلَى الْجَبَلِ قِيلَ يُحَدُّ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تُسْتَعْمَلُ فِي الصُّعُودِ وَفِي الْكَوْنِ فَوْقَهُ يُقَالُ زَيْدٌ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الشَّيْنُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ يَكُونُ ذَلِكَ إبْطَالًا وَإِسْقَاطًا لِحَقِّ الْغَيْرِ فَلَا يُقْبَلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ) يَعْنِي الْبَزْدَوِيَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَبْسُوطِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَأَطْلَقَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَالْعِبَارَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ مِنْ حَقِّهِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الشَّيْنِ بِقَذْفِهِ وَتَنَاوُلِهِ مِنْ عِرْضِهِ وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْ لَمْ يُحَدَّ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْحَدِّ لَا الْمُطَالَبَةِ إذْ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لِآخَرَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يُطَالِبُ وَمِلْكُ الثَّمَنِ لِلْآمِرِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ وَكِيلًا فَإِنَّ قَبْضَ الْعَبْدِ إلَيْهِ وَالْمِلْكَ لِلْآمِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى الْإِمَامِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْإِمَامَةُ أَيْ لِمَنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ أَيْ كَوْنُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُغَلَّبًا أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِ حَقِّ الْعَبْدِ مُغَلَّبًا وَعَلَى الْأَوَّلِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً) أَيْ وَقَدْ أَرَادَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَلَا يُحَدُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَارْقَأْ إلَى آخِرِ الشَّعْرِ) وَأُوِّلَ الشِّعْرُ

أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ ... وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ

وَكُلْ يُصْبِحُ فِي مَضْجَعِهِ قَدْ انْجَدَلَ ... وَارْقَأْ إلَى الْخَيْرَاتِ إلَخْ

الْجَمَلُ بِالْجِيمِ اسْمُ رَجُلٍ أَبِيٍّ حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ وَهُوَ جَمَلُ بْنُ سَعْدٍ وَالْهِلَّوْفُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْكُلُّ الْعِيَالُ وَالِانْجِدَالُ السُّقُوطُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ قَالَتْ امْرَأَةٌ إلَخْ مَا نَصُّهُ أَيْ وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا وَقَوْلُهُ وَارْقَأْ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي الْمَهْمُوزِ رَقَأْتُ الدَّرَجَةَ لُغَةً مِنْ رُقِّيت وَأَنْشَدَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي مَادَّةِ هَلَفَ وَأَرَقَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُعْتَلٌّ لَا مَهْمُوزٌ اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ أَشْبِهْ جَمَلَ أَنْشَدَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي مَادَّةِ هَلَفَ أَوْ أَشْبِهْ عَمَلَ ثُمَّ قَالَ وَعَمَلُ اسْمِ رَجُلٍ وَهُوَ خَالُهُ تَقُولُ لَا تُجَاوِزْنَا فِي الشَّبَهِ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الزِّنَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَيْ وَلَوْ قَالَ زَنَأْتُ بِدُونِ الصِّلَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ قَذْفًا بِدُونِ النِّيَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ هُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَعْرِفُونَ بِهِ إلَّا الْقَذْفَ. اهـ. كَاكِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>