للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَقْذُوفِ أَمَّا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ أَوْ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ فَلِوُجُودِ أَمَارَةِ الزِّنَا لِأَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعْرَفُ مِنْ الزِّنَا ظَاهِرًا فَقَدْ تَمَكَّنَ فِي إحْصَانِهَا شُبْهَةُ الْعَدَمِ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ ظَاهِرًا وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ لَا تَزُولُ بِمَوْتِ الْوَلَدِ بَلْ تَتَقَرَّرُ وَلَا تَخْرُجُ هِيَ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَالِدَةً بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حَيْثُ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِعَدَمِ أَمَارَةِ الزِّنَا لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَكَانَ مُؤَكِّدًا لِلْعِفَّةِ وَلَا يُقَالُ اللِّعَانُ فِي جَانِبِهَا قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فَكَانَتْ مَحْدُودَةً فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ قَاذِفُهَا لِأَنَّا نَقُولُ لِعَانُهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ إذْ لَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لَمَا قُبِلَتْ لِأَنَّ لِعَانَهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فَيَكُونُ مُؤَكِّدًا لِإِحْصَانِهَا وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ

وَأَمَّا إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً فَلِفَوَاتِ الْعِفَّةِ فَيَكُونُ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ حُدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ كَأَمَتِهِ الَّتِي حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِخَبَرٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْقُطُ الْإِحْصَان حَتَّى لَا يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ يُنَافِي مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ فَصَارَ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ فَيَصِيرُ زِنًا وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ بِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُحَرَّمٌ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِثُبُوتِ التَّضَادِّ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِلُّ فَكَيْفَ يَكُونُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحِلِّ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لِأَنَّ الْحِلَّ فِيهِ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ فَيَكُونُ شُبْهَةً

وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا قُلْتُمْ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا لِوُجُودِ الزِّنَا وَانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُودُ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَا كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ مِنْ وَجْهٍ فِي سُقُوطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى قَاذِفِهِ حَدٌّ فَاسْتَوَى الْحُكْمَانِ فِي انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَمَّا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ، وَمِنْ الْحُرْمَةِ لِعَيْنِهِ جَارِيَةُ ابْنِهِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا وَمِنْهَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا أَوْ زَنَى أَبُوهُ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الِابْنُ أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢] فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخِلَافُ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ مَحَارِمَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا كُلُّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ لِثُبُوتِ حُرْمَتِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالنَّصِّ وَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ غَيْرَ مُؤَبَّدَةٍ كَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِوَطْئِهَا

وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَمَتَانِ أُخْتَانِ فَوَطِئَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً أَوْ الْحَائِضَ أَوْ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ الْمُحَرَّمَةَ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ فِيهِنَّ وَالْحُرْمَةُ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ثَبَتَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالْوَطْءِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِدَلِيلٍ مُحْتَمَلٍ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ أَوْ نَوْعُ اجْتِهَادٍ مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ احْتِيَاطًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِالْوَطْءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

وَأَمَّا إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا زَنَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ وَأَمَّا إذَا قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً فَلِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي حُرِّيَّتِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَالْإِحْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَدُّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً) أَيْ كَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ قَرِيبًا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>