للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» فَيُعَزَّرُ مِنْ غَيْرِ تَبْلِيغِهِ حَدًّا بِالْإِجْمَاعِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ أَدْنَى الْحُدُودِ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ مُطْلَقَ مَا رَوَيْنَا يَتَنَاوَلُهُ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ

وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْأُصُولُ وَأَقَلُّهُ ثَمَانُونَ فَنَقَصَ عَنْهُ سَوْطًا وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةً رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فَقَلَّدَهُ أَوْ اُعْتُبِرَ نَفْسُ الْجُرْمِ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجُرْمِ كَالْحَدِّ فَقَرُبَ الْجُرْمُ الْكَبِيرُ مِنْ أَكْثَرِ الْحَدِّ وَهُوَ مِائَةٌ وَالصَّغِيرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَرْبَعِينَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) أَيْ أَقَلُّ التَّعْزِيرِ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ فَيَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي يُقَيِّمُهُ بِقَدْرِ مَا يَرَى

الْمَصْلَحَةَ

فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا تَفَاصِيلَهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ حَبْسُهُ بَعْدَ الضَّرْبِ) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ بَعْدَ مَا ضَرَبَهُ لِتَعْزِيرِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لِمَا رَوَيْنَا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الضَّرْبِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ الْحَبْسَ إلَيْهِ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَعْزِيرًا ابْتِدَاءً حَتَّى جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ بِالتُّهْمَةِ فِي التَّعْزِيرِ لِكَوْنِهِ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ فَيَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّحَقُّقِ فَإِذَا صَلَحَ تَعْزِيرًا ابْتِدَاءً وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ جَازَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الضَّرْبِ مَا تَجُوزُ زِيَادَةُ الضَّرَبَاتِ فِيهِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّخْفِيفُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ وَيَتَّقِي الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُتَّقَى فِي الْحُدُودِ

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْرِبُ فِيهِ الظَّهْرَ وَالْأَلْيَةَ فَقَطْ ثُمَّ ذُكِرَ فِي حُدُودِ الْأَصْلِ تَفْرِيقُ التَّعْزِيرِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ فِي التَّعْزِيرِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ وَمَوْضُوعُ الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَحَدُّ الشُّرْبِ ثَابِتٌ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَنْكَشِفُ بِحَالٍ وَحُرْمَةَ الْخَمْرِ تَنْكَشِفُ بِالضَّرُورَةِ وَالزِّنَا يُؤَدِّي إلَى قَتْلِ النَّفْسِ بِأَنْ يَتَخَلَّقَ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ فَيَهْلِكُ وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهِ الرَّجْمُ بِخِلَافِ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ أَعْظَمَ كَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَشَدَّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ الشُّرْبِ ثُمَّ الْقَذْفِ) أَيْ ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ مَقْطُوعٌ بِهَا بِمُشَاهَدَةِ الشُّرْبِ وَالْإِحْضَارِ إلَى الْحَاكِمِ مَعَ الرَّائِحَةِ وَجِنَايَةَ الْقَذْفِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاذِفُ صَادِقًا فِيهِ وَعَجْزُهُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عِفَّةِ الْمَقْذُوفِ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ جَرَى فِيهِ تَغْلِيظٌ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَتَخْفِيفُ الضَّرْبِ لَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ الشَّارِبَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فَظَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ وَكَانَ يَعْرِفُ يُضْرَبُ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِهَذَا وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي هَذَا نَقْلٌ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو حَنِيفَةَ التَّعْزِيرَ بِحَدِّ الْعَبْدِ وَقِيلَ إنَّ نُقْصَانَ الْخَمْسَةِ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ

وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قُلْنَا وَهَذَا لِأَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ وَاجِبٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قِيلَ إنَّ أَبَا يُوسُفَ أَخَذَ النِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَالنِّصْفَ مِنْ حَدِّ الْعَبِيدِ وَأَكْثَرُ حَدِّ الْأَحْرَارِ مِائَةٌ وَأَكْثَرُ حَدِّ الْعَبِيدِ خَمْسُونَ فَأَخَذَ نِصْفًا مِنْ هَذَا وَنِصْفًا مِنْ هَذَا قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الْمِائَةَ حَدُّ هَذَا وَالْخَمْسُونَ حَدُّ ذَاكَ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ التَّعْزِيرِ بِتَنْصِيفِ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّنْصِيفِ جَزْمًا لَا سِيَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا دَلِيلَ أَيْضًا عَلَى اعْتِبَارِ أَكْثَرِ الْحَدَّيْنِ وَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ عِنْدِي لِتَيَقُّنِ الْأَقَلِّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَخَذَ بِقَوْلِ زُفَرَ وَعَلَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ نِصْفُ الْحَدِّ وَلَيْسَ بِحَدٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ لَيْسَ بِحَدٍّ بَلْ هُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ عَمَّتْ

(قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ) الرِّوَايَةُ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَلِلتَّشْدِيدِ وَجْهٌ عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ أَيْ مَنْ بَلَغَ التَّأْدِيبَ أَوْ بَلَغَ الضَّرْبَ حَدًّا فِيمَا لَيْسَ بِحَدٍّ أَيْ فِي التَّعْزِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ مَنْ بَلَغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا وَذَلِكَ مُلَوِّثٌ لِلصِّمَاخِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ التَّعْزِيرُ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ مَنْ بَلَغَ التَّعْزِيرَ حَدًّا فِي التَّعْزِيرِ فَيَرِدُ مَا قُلْنَا اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ

(فُرُوعٌ) رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا فَاجِرُ أَوْ يَا مُنَافِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا خِنْزِيرُ أَوْ يَا حِمَارُ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا لُوطِيُّ أَوْ يَا آكِلَ الرِّبَا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ يَا دَيُّوثُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا خَائِنُ أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ أَوْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُوجَبُ فِيهِ التَّعْزِيرَ أَوْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا زَانِي أَوْ أَمَةٌ ادَّعَتْ أَنَّهُ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ أَوْ ادَّعَى أَمْرًا يَجِبُ فِيهِ الْأَدَبُ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَرَبَنِي أَوْ شَتَمَنِي أَوْ لَطَمَنِي وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ وَالْإِبْرَاءُ وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي وَلَا يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِالْإِقَامَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ يُؤَدِّبُ الْمَرْأَةَ وَالْمَوْلَى يُؤَدِّبُ الْعَبْدَ وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْهَاهُ وَيَمْنَعَهُ وَيُؤَدِّبَهُ وَيَضْرِبَهُ إنْ كَانَ لَا يَنْزَجِرُ بِالْمَنْعِ بِاللِّسَانِ فَيَجْرِي فِيهِ الْيَمِينُ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى قُبَيْلَ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي قَوْلُهُ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي أَيْ فَإِنْ حَلَفَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالتَّعْزِيرِ ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَذِبِهِ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>