للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَفِي لَفْظٍ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَالثَّلَاثَةُ رُبْعُهَا وَالرُّبْعُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِيمَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْطَعُ يَدَ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَفِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ»

قُلْنَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ كَانَتْ قِيمَةُ الْمِجَنِّ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي قِيمَةِ الْمِجَنِّ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ النِّصَابَ مُقَدَّرٌ بِهِ مَالَ مَالِكٌ إلَى الْأَقَلِّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَمَالَ أَصْحَابُنَا إلَى الْأَكْثَرِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ الْعَشَرَةَ لَمْ يُقْطَعْ بِهَا وَمَا دُونَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ إذْ الْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْمَرْفُوعِ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ لَهُ نِصَابٌ مُقَدَّرٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ قُلْنَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِالْمَالِ فَكَذَا بِالنِّصَابِ لِمَا رَوَيْنَا وَحَكَيْنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» الْمُرَادُ بِهِ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ النَّفِيسُ

أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَأَنَّ مِنْ الْحِبَالِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الْإِقْرَارِ فِيهِ بِعَدَدِ الشُّهُودِ أَصْلُهُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ مَرَّةً مُظْهِرٌ فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالِاعْتِبَارُ بِالشَّهَادَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا تُفِيدُ تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فَيُؤَكِّدَ بِالتَّكْرَارِ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ لِأَنَّا نَقُولُ بَابُ الرُّجُوعِ فِيهِ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يُكَذِّبُهُ وَفِي الزِّنَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ

وَذَكَرَ بِشْرٌ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِمَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْحُدُودِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ وَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَمَكَانِهَا وَيَسْأَلَ الشُّهُودَ عَنْ زَمَانِهَا لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي الْجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ) أَيْ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْخَوَارِجُ وَثَبَتَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ) أَيْ حَتَّى إذَا سَرَقَ فَلْسًا قُطِعَ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ. اهـ. كَمَالٌ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَإِنَّمَا خُصَّ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ لِمَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَلِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا لِأَنَّهَا بِالْمُخَالَفَةِ وَالْمُخَالَفَةُ فَرْعُ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ اهـ

(قَوْلُهُ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ إذْ لَا يُتَّهَمُ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّهُ ضَرَرًا بَالِغًا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ إمَّا صَادِقٌ فَالثَّانِي لَا يُفِيدُ شَيْئًا إذْ لَا يَزْدَادُ صِدْقًا وَإِمَّا كَاذِبٌ فَبِالثَّانِي لَا يَصِيرُ صِدْقًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِهِ. اهـ. فَتْحٌ (فُرُوعٌ) مِنْ عَلَامَةِ الْعُيُونِ قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ يَعْنِي بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ سَرَقْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةً هَذَا إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ

وَوَجَبَ الْقَطْعُ فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَالْمِائَةُ الْأُولَى لَا يَدَّعِيهَا الْمُقَرُّ لَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِائَتَيْنِ بَلْ مِائَةً لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنْ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مِائَتَيْنِ وَرَجَعَ عَنْهَا فَوَجَبَ الضَّمَانُ وَلَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ بِالْمِائَةِ إذْ لَا يَدَّعِيهَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمِائَةِ لَا ضَمَانَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَّنَ لَا يُقْطَعُ هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَالظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَا بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُنَوِّنْ فَكَلَامُهُ دَلَّ عَلَى السَّرِقَةِ الْمَاضِيَةِ كَأَنَّهُ قَالَ سَرَقْت هَذَا الثَّوْبَ وَإِذَا نَوَّنَ فَكَلَامُهُ دَلَّ عَلَى السَّرِقَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ أَسْرِقُهُ مِنَّا لَهُ إذَا قَالَ هَذَا قَاتِلُ زَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا قَاتِلٌ زَيْدًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ اهـ

(قَوْلُهُ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ) أَيْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ التَّكْرَارِ فَيُقْبَلُ بِالْحُدُودِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ تَعَدَّدَ وَتَكَثَّرَ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ كَيْفَ سَرَقَ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَقَبَ الْبَيْتَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ فَذَهَبَ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي وَكَذَا إذَا نَاوَلَ صَاحِبًا لَهُ عَلَى الْبَابِ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إذْ فِي الْأَوَّلِ مُخْتَلِسٌ لَا هَاتِكٌ لِلْحِرْزِ لِأَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ عَلَى الْكَمَالِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَمَى الثَّوْبَ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ حَيْثُ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوجِبَ لِلْقَطْعِ تَمَّ بِهِ وَحْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>