فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ الْأَيْدِي لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ أَيْ الْحَقِيرِ وَمَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ حَقِيرٌ وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَفِي آخِذُهُ عَادَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ لِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ وَلِهَذَا يُلْقَى بَعْضُهَا فِي الْأَبْوَابِ بَلْ فِي الْقَوَارِعِ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ وَبَعْضُهَا يَنْفَلِتُ فَيَفِرُّ وَيَضِيعُ فَتَنْقُصُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ كَمَا تَنْقُصُ فِي الْقَلِيلِ وَلِمِثْلِهِ لَا يُشْرَعُ الزَّاجِرُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْعَامَّةَ الَّتِي كَانَتْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِهَا وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْبَطَّ وَالدَّجَاجَ وَفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا التُّرَابَ وَالطِّينَ وَالسِّرْقِينَ وَهُوَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَوَجَبَ قَطْعُهُ فِيهِ وَكَوْنُهُ يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَالْفَيْرُوزَجِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ» أَثْبَتَ فِيهِ شَرِكَةً عَامَّةً فَإِذَا انْتَفَتْ الشَّرِكَةُ بِالْإِحْرَازِ حَقِيقَةً تُورَثُ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ كَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَغْنَمِ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» يُورِثُ شُبْهَةً وَإِذَا ثَبَتَ الشُّبْهَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ تُوجَدُ مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَذَا فِي أَمْثَالِهَا وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ فَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا سَرَقَهَا عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تُوجَدُ مُبَاحَةً لَا يُقْطَعُ وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ بِالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ
وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَافِهَةٍ جِنْسًا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ لَا يَتْرُكُهُ فَهَذِهِ عَلَامَتُهُ وَلَا يُقْطَعُ فِي الرُّخَامِ وَلَا فِي الْقُدُورِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَلَا فِي الْمِلْحِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ عَلَى شَجَرٍ وَلَبَنٍ وَلَحْمٍ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ وَأَشْرِبَةٍ وَطُنْبُورٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ سَرِقَةَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَالْمَعَازِفَ أَوْ السَّرِقَةَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ» وَلَا كَثَرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالْكَثَرُ الْجِمَارُ وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ لَهُ لَبَنٌ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ النَّخْلِ وَمَنْ قَالَ الْكَثَرُ الْحَطَبُ أَوْ صِغَارُ النَّخْلِ فَقَدْ أَخْطَأَ ذَكَرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْجِمَارَ شَحْمُ النَّخْلِ
وَالْمُرَادُ بِالتَّمْرِ مَا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ وَهُوَ الرُّطَبُ وَسُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَالْعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيهِ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالْجَرِينُ الْمِرْبَدُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الرُّطَبُ لِيَجِفَّ وَالْجِرَانُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُعْصَرُ فِيهِ الْعِنَبُ أَوْ التَّمْرُ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ عَلَى الشَّجَرِ وَالزَّرْعَ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْإِحْرَازُ وَالْقَطْعُ بِدُونِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِي اللَّحْمِ الْقَدِيدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْفَسَادُ وَفِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ الْعِنَبُ وَكَذَا الرُّطَبُ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) قَيَّدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا يُوجَدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ حَقِيرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِصُورَتِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ لِتَغَيُّرِهَا عَنْ الصُّورَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ) لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْمَعَادِنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالصُّفْرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْجَارِ لِكَوْنِهَا مَرْغُوبًا فِيهَا فَيُقْطَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَعَلَى نَظَرِ بَعْضِهِمْ فِي الزِّرْنِيخِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِهِ لِأَنَّهُ يُحَازُ وَيُصَانُ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْخَلُ الدُّورَ لِلْعِمَارَةِ فَكَانَ إحْرَازُهُ نَاقِصًا بِخِلَافِ السَّاجِ وَالْآبِنُوسِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَسْمِ وَالْحِنَّاءِ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِحْرَازِهِ فِي الدَّكَاكِينِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ غَيْرَ بِنَصْبِ غَيْرَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ قَوْلِهِ مُبَاحًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ أَيْ وَهُوَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَضَنُّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ ضَنَّ بِالشَّيْءِ يَضَنُّ مِنْ بَابِ تَعِبَ ضَنًّا وَضِنَةٌ بِالْكَسْرِ وَضَنَانَةٌ بِالْفَتْحِ بُخْلٌ فَهُوَ ضَنِينٌ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَنْقُصُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ) يَعْنِي فَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى اسْتِحْصَالِهِ وَعَلَى الْمُعَالَجَةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَيْهِ وَالطِّبَاعُ لَا تَضِنُّ إذَا أُحْرِزَ حَتَّى أَنَّهُ قَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الْخِيَانَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّنَةَ بِهَا تُعَدُّ مِنْ الْخَسَاسَةِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ كَمَا دُونَ النِّصَابِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ كَمَا بَيَّنَّا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ سَرَقَ طَيْرًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا يُقْطَعُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِهِ الطَّائِرَ الَّذِي يَكُونُ صَيْدًا سِوَى الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ فَيَجِبُ فِيهِمَا الْقَطْعُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْأَهْلِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي جَمِيعِ الطُّيُورِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ ثُمَّ قَالَ وَذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ لَوْ سَرَقَ مِنْ الدَّجَاجِ أَوْ الْبَطِّ أَوْ الْحَمَامِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَفِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ وَالْمَالِحِ) قَالَ الْكَمَالُ صَوَابُهُ السَّمَكُ الْمَلِيحُ أَوْ الْمَمْلُوحُ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَمَاءٌ مِلْحٌ وَسَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَهُوَ الْمُقَدَّدُ الَّذِي جُعِلَ فِيهِ مِلْحٌ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَطُنْبُورٍ) الطُّنْبُورُ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَهُوَ فُنْعُولٌ بِضَمِّ الْفَاءِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَإِنَّمَا ضُمَّ حَمْلًا عَلَى بَابِ عُصْفُورٍ اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَلَا كَثَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَقَوْلُهُ كَثَرٍ بِالْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً) الْخُبْنَةُ بِالضَّمِّ مَا تَحْمِلُهُ تَحْتَ إبْطِك. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ الْمِرْبَدُ) مِثْلُ مِقْوَدٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ
(قَوْلُهُ وَالْقَطْعُ بِدُونِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) أَيْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ فِي حَائِطٍ مُحْرَزٍ. اهـ. كَيْ