للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ قَبْلَهُ، وَإِلَّا فَالْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ وَهَذَا كَالْقَضَاءِ لَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ.

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَفْوِيتُهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ قَضَاءُ عَصْرِ أَمْسِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمَّا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَانَ السَّبَبُ نَاقِصًا فَإِذَا قَضَاهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ قُلْنَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ إذْ لَيْسَ بَعْضُ الْوَقْتِ بِالْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَجَمِيعُهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ نَاقِصًا، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي لِاسْتِحَالَةِ إضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ فِي حَقِّهِ قُلْنَا قَالَ الْبَزْدَوِيُّ لَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى الْوَقْتُ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ بِسَبَبِ الْوَقْتِ وَقَدْ زَالَ فَيَرْتَفِعُ النُّقْصَانُ وَثَبَتَتْ كَامِلَةً إذْ الْوُجُوبُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا نَقْصَ فِيهَا بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَلَاهَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا فِيهِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ آخَرُ مَكْرُوهٌ مِثْلُهُ أَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ، ثُمَّ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ حَيْثُ يَجُوزُ وَالْفَرْقُ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِالتِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الزَّمَانِ لَهَا، ثُمَّ مَعَ هَذَا لَوْ أَدَّاهَا فِي وَقْتِ الْقِرَاءَةِ جَازَتْ فَكَذَا فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَا الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ إلَّا لِصِيَانَةِ مَا مَضَى، وَالصِّيَانَةُ تَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ فِي مِثْلِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ كَامِلٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ حَتَّى يُضَافَ الْوُجُوبُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِيهِ كَالْمُضِيِّ فِي وَقْتِ الشُّرُوعِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ جَازَ لَهُ الْأَدَاءُ فِيهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُ فِي غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فِي الصَّلَاةِ وَمَضَى فِيهَا جَازَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ غَيْرِ مَكْرُوهٍ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ جِنْسُ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَنَا إلَّا مَا وَجَبَ نَاقِصًا فَأَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا كُلَّ مَا لَهُ سَبَبٌ كَالْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ بِمَكَّةَ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا بِمَكَّةَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَلَنَا حَدِيثُ عُقْبَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي حَدِيثِ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَسَةَ «فَأَقْصِرْ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ فَتَعُمُّ الْجَمِيعَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي ضَعَّفَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَلَا يُعَارِضُ الصِّحَاحَ الْمَشَاهِيرَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ) (لَا عَنْ قَضَاءِ فَائِتَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) أَيْ نَهَى عَنْ التَّنَفُّلِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْلٍ لَهُ سَبَبٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَمُسْلِمٌ وَالنَّهْي لِمَعْنًى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ أُضِيفَ الْوُجُوبُ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَبَعْضُهُ نَاقِصٌ فِي الْعَصْرِ يَكُونُ الْوَاجِبُ نَاقِصًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مِثْلِهِ قُلْنَا السَّبَبُ كَامِلٌ مِنْ وَجْهٍ نَاقِصٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْوَاجِبُ كَذَلِكَ فَلَا يَتَأَدَّى فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْغَنِيُّ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَوْ قَضَى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَوَقَعَ آخِرُهُ فِي الْوَقْتِ النَّاقِصِ كَانَ جَائِزًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْوَقْتَ الْكَامِلَ أَكْثَرُ مِنْ النَّاقِصِ فَكَانَ الْكُلُّ كَامِلًا تَغْلِيبًا. اهـ. جَامِعُ الْأَسْرَارِ. (قَوْلُهُ كَمَا وَجَبَتْ) كَالْمَنْذُورَةِ فِيهِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ الْوُجُوبُ بِالتِّلَاوَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ) أَيْ إذْ لَا دَخْلَ لِلْوَقْتِ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَالُهُ وَنُقْصَانُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجُوزُ جِنْسُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِيمَا يَكُونُ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا لَا ضَرُورِيًّا وَيَكُونُ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَامِلٍ وَالشُّرُوعُ سَبَبٌ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلِذَا كَانَ دُونَ النَّذْرِ فَلَا فَرْقَ فِي النَّفْلِ بَيْنَ أَدَائِهِ وَقَضَائِهِ فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ يَجُوزُ فِيهِ الْأَدَاءُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الصِّيَانَةُ وَقَوْلُهُمْ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يُؤَدَّى نَاقِصًا فِي غَيْرِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ بَابٌ وَاسِعٌ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فَيَحْتَمِلُ فِيهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ فِي النَّفْلِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا صِيَانَةُ عَمَلِهِ مِنْ الْبُطْلَانِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ لِإِكْمَالِهَا وَإِذَا أَتَى بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الصِّيَانَةُ وَلَوْ نَاقِصًا خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) أَيْ كَرَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: وَفِي حَدِيثِ عَمْرٍو) كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْنَعْ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى فِعْلِهِ كَالْمَنْذُورِ وَقَضَاءِ التَّطَوُّعِ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَسَجْدَةِ السَّهْوِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَجُوزُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>