بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي آيَةِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَلِيه خِلَافُ جِنْسِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذْ هِيَ لَا تَصْلُحُ جَزَاءً لِلْقَذْفِ وَإِنَّمَا هِيَ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ بِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْفِسْقِ فَكَانَتْ فَاصِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْجُمَلِ فَيَعُودُ إلَيْهَا فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةً قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ وَالرِّدْءَ تَبَعٌ وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْأَصْلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَطَعَتْ الطَّرِيقَ تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ وَقِيلَ لَا تَكُونُ قَاطِعَةَ طَرِيقٍ لِأَنَّ بِنْيَتَهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحِرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْطَعُ وَلَا تُصْلَبُ وَالْأَخْرَسُ فِي هَذَا كَالصَّبِيِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَّحِدَةٌ فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمِنٌ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّهِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ فَيَخُصُّ الِامْتِنَاعَ حَتَّى إذَا وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْأَخْذُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ خَاصَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ عَلَيْهِمَا يَجِبُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَفِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ حَتَّى لَا يَجِبَ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي نَصِيبِ الْبَاقِينَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا امْتَنَعَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ امْتَنَعَ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ أَخَذُوا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يُحَدُّونَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ الْقِصَاصُ وَالتَّضْمِينُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ عَلَى الْبَعْضِ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَبَيْتٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ فَلِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ لِأَنَّ الْغَوْثَ يَلْحَقُهُمْ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَا يُمْكِنُهُمْ الْمُكْثُ فِيهِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ مُحَارَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَفَازَةِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهَا فَيَسِيرُ فِي حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ فَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُ يَكُونُ مُحَارِبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ وَفِي الْقَرِيبِ مِنْهُ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ السُّلْطَانِ وَالْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَيْهِمْ فَيَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي فِعْلِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ حَيْثُ مُحَارَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُحَدُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْقَطْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ بِالسِّلَاحِ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْغَوْثُ وَإِنْ قَصَدُوا بِالْحَجَرِ أَوْ الْخَشَبِ فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ.
فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَا تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاسْتَحْسَنَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي تَلِيه) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤]. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا السَّرِقَةُ الصُّغْرَى) وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الرِّدْءَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ فِي حَدِّ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَا مُكَلَّفِينَ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حُضُورُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَمُبَاشَرَتِهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا إذَا بَاشَرَا فَكَذَا إذَا حَضَرَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ الْحَدِّ كَمَا إذَا اشْتَرَكَ الْخَاطِئُ وَالْعَامِدُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الْأَحْرَارِ وَالرِّجَالِ أَمَّا الْعَبْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ إنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُحَارَبَةُ وَالْمَرْأَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَيْسَتْ بِمُحَارِبَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَأْمِنٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ بِأَنْ يُقَالَ الْقَطْعُ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْقَطْعِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ثُمَّ وُجُودُ هَذَا فِي الْقَافِلَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ وُجُودُ الْمُسْتَأْمِنِ فِيهِمْ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْتَأْمِنِ إنْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُوجِبُهُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْمُوجِبِ وَهَذَا لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمِنِ لِخَلَلٍ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ بَقَاءُ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ فِي مَالِهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِهِ إلَى دَارِهِ وَهُوَ أَيْ الْخَلَلُ يَخُصُّهُ أَيْ الْمُسْتَأْمِنُ وَهَا هُنَا الْخَلَلُ فِي الْحِرْزِ إذْ الْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ وَهُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى هَذِهِ الْقَافِلَةِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ لِمَكَانِ قَرِيبه الَّذِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهُ فَمَتَى لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّ الْكُلِّ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَخُوهُ وَأَجْنَبِيٌّ فَسَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُقْطَعُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ سَرَقَ مَالَ مُسْلِمٍ وَمُسْتَأْمِنٍ مِنْ بَيْتٍ يَسْكُنَانِ فِيهِ يُقْطَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِمْ مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْقَافِلَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ) لَفْظَةُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ مُجْرَى عَلَى إطْلَاقِهِ) أَيْ وَإِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ) أَيْ وَالْقَاطِعُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَاطِعًا كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُ السَّارِقُ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَجَبَ الْقِصَاصُ إنْ قَتَلَ عَمْدًا وَرَدَّ الْمَالَ إنْ أَخَذَ وَهُوَ قَائِمٌ وَالضَّمَانُ إنْ هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ إنْ قَصَدُوا فِي الْمِصْرِ) أَيْ نَهَارًا. اهـ. فَتْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute