للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَتَقَ) أَيْ إذَا اشْتَرَى كَافِرٌ مُسْتَأْمِنٌ عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ أَوْ أَمَّنَّ عَبْدٌ لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ عَتَقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَدَخَلَ بِهِ دَارَهُمْ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْإِزَالَةِ كَانَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَقَدْ انْتَهَى ذَلِكَ بِالدُّخُولِ فِي دَارِهِمْ لِعَجْزِ الْإِمَامِ عَنْ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ عَبْدًا عَلَى مَا كَانَ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا تُنَافِي الْمِلْكَ بَلْ الْإِدْخَالُ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَسَرُوا عَبْدًا مُؤْمِنًا وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ مَلَكُوهُ ابْتِدَاءً فَالِاسْتِدَامَةُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ اسْتَحَقَّ الْإِزَالَةَ عَنْ مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْبَيْعِ كَيْ لَا يَبْقَى تَحْتَ ذُلِّهِ وَلَا يَذْهَبُ مَالُهُ بِلَا عِوَضٍ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا أَنَّ لِمَالِ الْمُسْتَأْمِنِ حُرْمَةً كَمَالِ الذِّمِّيِّ وَإِذَا عَادَ إلَى دَارِهِمْ سَقَطَتْ عِصْمَةُ مَالِهِ وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَعَنْ إعْتَاقِهِ عَلَيْهِ إذْ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى مَنْ فِي دَارِهِمْ فَأُقِيمَ إحْرَازُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مَقَامَ الْقَضَاءِ بِالْعِتْقِ إقَامَةً لِلشَّرْطِ مَقَامَ الْعِلَّةِ إذْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ شَرْطٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِالتَّبَايُنِ وَالْقِيَاسُ عَلَى مَنْ أَدْخَلُوهُ دَارَهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَنْ وَجَبَ إزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَاَلَّذِي أَدْخَلُوهُ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ قَبْلَهُ حَتَّى تَجِبَ إزَالَتُهُ وَإِنَّمَا مَلَكُوهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَهُمْ فَافْتَرَقَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إدْخَالِهِ دَارَ الْحَرْبِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي دَارِهِمْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الِاخْتِصَاصِ وَلَمْ يُوجَدْ إذْ قَهْرُ الْبَائِعِ زَالَ إلَى قَهْرِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ قَهْرَ الْبَائِعِ زَالَ حَقِيقَةً وَالْحَاجَةُ إلَى ثُبُوتِ قَهْرِ الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً وَفِي الْمَحَلِّ مَا يُنَافِيه فَلَا يَثْبُتُ وَلِأَنَّ إسْلَامَهُ يَقْتَضِي زَوَالَ قَهْرِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الْخِطَابُ بِالْإِزَالَةِ فَأُقِيمَ مَا لَهُ أَثَرٌ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ مَقَامَ الْإِزَالَةِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَمَّنَّ عَبْدَ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الطَّائِفِ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْمُشْرِكِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّ إلَيْنَا أَبَا بَكْرَةَ وَكَانَ مَمْلُوكًا فَأَسْلَمَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَا هُوَ طَلِيقُ اللَّهِ طَلِيقُ رَسُولِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ «خَرَجَ عَبْدَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَوَالِيهمْ فَقَالُوا وَاَللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا خَرَجُوا إلَيْك رَغْبَةً فِي دِينِك وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَبًا مِنْ الرِّقِّ فَقَالَ نَاسٌ صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ إلَيْهِمْ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا أَرَاكُمْ تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هَذَا وَإِنِّي لَنْ أَرُدَّهُمْ وَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ وَبِالِالْتِحَاقِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا عَلَى الدَّارِ وَاعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ يَدِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا أَسْبَقُ ثُبُوتًا عَلَى نَفْسِهِ وَالْحَاجَةُ فِي حَقِّهِ إلَى زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ وَفِي حَقِّهِمْ إلَى إثْبَاتِ الْيَدِ ابْتِدَاءً فَكَانَتْ يَدُهُ أَوْلَى

وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُخَلِّهِ أَيْ قَالَ لَهُ أَخْذًا بِيَدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُعْتَقُ لِصُدُورِ رُكْنِ الْعِتْقِ مِنْ أَهْلِهِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مَحَلِّهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُعْتِقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرِقٌّ بِبَنَانِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ كَمَا يَزُولُ يَثْبُتُ بِاسْتِيلَاءٍ جَدِيدٍ وَهُوَ أَخْذُهُ لَهُ بِيَدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ) فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا خَرَجَ مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ يَكُونُ حُرًّا وَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ عَلَى دَارِهِمْ بَعْدَ إسْلَامِ الْعَبْدِ يَكُونُ حُرًّا لِأَنَّهُ لِمَا الْتَحَقَ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَكُونُ عَبْدًا لِلْغُزَاةِ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يَمْلِكُوهُ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ يَحْتَاجُ أَنْ يُحْرِزَ نَفْسَهُ لِيَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَإِحْرَازُهُ أَسْبَقُ مِنْ إحْرَازِهِمْ فَصَارَ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ يَدٍ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا يُؤَكِّدُ يَدَهُ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى إثْبَاتِ الْيَدِ ابْتِدَاءً فَكَانَ اعْتِبَارُ يَدِهِ أَوْلَى قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى الدَّارِ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا إذَا عَرَضَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ عَتَقَ الْعَبْدُ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّ الْعَبْدَ اسْتَحَقَّ حَقَّ الْعَتَاقِ بِالْإِسْلَامِ لَكِنَّا نَحْتَاجُ إلَى سَبَبٍ آخَرَ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَمَّا عَرَضَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ فَلَأَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِزَوَالِهِ إلَى عَبْدِهِ أَوْلَى لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ حَقُّ الزَّوَالِ وَعَبْدُهُ اسْتَحَقَّ حَقَّ الزَّوَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُرَاغِمًا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَقَدْ رَاغَمَهُ إذَا فَارَقَهُ عَلَى رَغْمِهِ وَمِنْهُ إذَا خَرَجَ مُرَاغِمًا أَيْ مُغَاضِبًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مُرَاغِمًا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ إلَيْنَا غَيْرَ مُرَاغِمٍ فَهُوَ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ يَبِيعُهُ الْإِمَامُ وَيَقِفُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ فَصَارَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي دَخَلَ بِهِ مُسْتَأْمِنًا إلَى دَارِنَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. دِرَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْمَجْمَعِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>