للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ قَتْلَ الرَّجُلِ لِتَغْلِيظِ جِنَايَتِهِ وَقَدْ شَارَكَتْهُ فِيهَا فَتُشَارِكُهُ فِي جَزَائِهَا كَالْقِصَاصِ وَالرَّجْمِ قُلْنَا الْمُبِيحُ لِلْقَتْلِ كُفْرُ الْمُحَارَبِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَاتِ» بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِالْجِنَايَةِ دُونَ الْحِرَابِ وَجَزَاءُ الْكُفْرِ لَا يُقَامُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دَارُ الِابْتِلَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْمُحَارِبُ لَنَا وَإِلَّا لَوَجَبَ قَتْلُ الشَّخْصِ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّهُ بَدَّلَ دِينَهُ وَهُوَ الْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْوِيه ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْقَتْلَ عَلَى الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ وَبِالْعَكْسِ مُحْتَجًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَانْتِقَالُهُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يَزِيدُهُ خُبْثًا وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْرًا بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْأَمْرُ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ تُقْتَلْ الْمُرْتَدَّةُ تُحْبَسُ إلَى أَنْ تُسْلِمَ لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً فَتُحْبَسُ حَتَّى تَتْرُكَ وَتَخْرُجَ مِنْهَا وَتُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلشُّبْهَةِ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ مَنْزِلَ الْمَوْلَى سِجْنًا لَهَا وَيُفَوِّضُ التَّأْدِيبَ إلَيْهِ مَعَ تَوْفِيرِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِخْدَامِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ دُفِعَتْ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ احْتَاجَ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ لِأَنَّ الْحَبْسَ تَصَرُّفٌ فِيهَا وَذَاكَ إلَى الْمَوْلَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثَهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الرِّدَّةِ يَظْهَرُ فِي إبَاحَةِ دَمِهِ لَا فِي زَوَالِ مِلْكِهِ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَكُونُ كَامِلَ الْأَهْلِيَّةِ وَذَلِكَ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ فَيَبْقَى مِلْكُهُ ضَرُورَةَ التَّمْكِينِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْعِصْمَةِ وَقَدْ زَالَتْ عِصْمَةُ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهَا حَرْبِيًّا حَتَّى يُقْتَلَ وَكَذَا عِصْمَةُ مَالِهِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا وَلِأَنَّهُ هَالِكٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالْهَالِكِ حَقِيقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ بِالْإِجْبَارِ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْتَلُ) أَيْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَحَمَّادٌ وَإِسْحَاقُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَاتِ») أَيْ فَقَالَ «لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً» وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُرْتَدَّةِ وَالْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِأَنَّهَا مَتَى لَا تُقْتَلُ بِالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ فَبِالطَّارِئِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَالصَّبِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ وَفِي بَلَاغَاتِ مُحَمَّدٍ قَالَ بَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ حُبِسَتْ اهـ.

(قَوْله لِأَنَّهَا ارْتَكَبَتْ جَرِيمَةً عَظِيمَةً فَتُحْبَسُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ الضَّرْبَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ وَلِذَا قُلْنَا فِيمَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حُدُودٌ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ الثَّانِي مَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ كَيْ لَا يَصِيرَ قَتْلًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ اهـ وَلَا تُسْتَرَقُّ الْحُرَّةُ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ تُسْتَرَقُّ إذَا سُبِيَتْ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئِ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ لَهُ أَوْ يَهَبَهَا الْإِمَامُ إذَا كَانَ مَصْرِفًا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالرِّدَّةِ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا الزَّوْجُ فَيَمْلِكُهَا وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالرِّدَّةِ وَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّى هُوَ حَبْسَهَا وَضَرْبَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَرْتَدُّ ضَرَرُ قَصْدِهَا عَلَيْهَا قِيلَ وَفِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا التَّتَرُ وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا وَقَهَرُوا الْمُسْلِمِينَ كَمَا وَقَعَ فِي خَوَارِزْمَ وَغَيْرِهَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَلَكَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ فِي الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْإِمَامِ.

وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهَا قَاتِلٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَيْ (قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ) بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لَا فَائِدَةَ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يَبْقَى لِيُمْكِنَ اسْتِخْدَامُهُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَحَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ قَالَ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِلَحَاقِهِ مِثْلُ مَوْتِهِ وَلِهَذَا صَرَّحَ بِذِكْرِهِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَعَلَ تَصَرُّفَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَالْقَوَدِ) أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ إذَا كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ فَلَا ضَمَانَ فَصَارَ حَالُهُ أَنْحَسَ مِنْ حَالِ الْمَرِيضِ فَاعْتُبِرَ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَجَوَابُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>