للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونَ مَرِيضَةً فَيَرِثُهَا لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا فِي مَرَضِهَا فَتَصِيرُ فَارَّةً بِالِارْتِدَادِ كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ فَسْخِهَا النِّكَاحَ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَنَحْوِهِ وَيَرِثُهَا أَقَارِبُهَا جَمِيعَ مَالِهَا حَتَّى الْكَسْبَ فِي رِدَّتِهَا لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَكَمَ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَحَلَّ دِينُهُ) لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا انْقَطَعَتْ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ الدَّارُ عِنْدَهُ إذْ الدُّنْيَا كُلُّهَا دَارٌ وَاحِدَةٌ وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَوْتٌ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ الْمَوْتَى مِنْ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بِالسَّبَبَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَحُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّيْنُ فَيُقْضَى كُلُّ دَيْنٍ مِنْ الْكَسْبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ مِلْكُهُ حَتَّى يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْخِلَافَةِ الْفَرَاغُ عَنْ حَقِّ الْمَيِّتِ فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ أَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عِنْدَهُ فَلَا يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى دَيْنُهُ بِهِ كَالذِّمِّيِّ إذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يَكُونُ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقْضَى مِنْهُ.

كَذَا هَذَا وَعَنْهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الرِّدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ وَعِنْدَهُمَا تُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْكُلَّ مِلْكُهُ حَتَّى يَجْرِيَ الْإِرْثُ فِيهِمَا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ لَحَاقِهِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ اللَّحَاقَ هُوَ السَّبَبُ وَالْقَضَاءُ لِتَقَرُّرِهِ لِقَطْعِ الِاحْتِمَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَوْتًا بِالْقَضَاءِ وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ عَلَى هَذَا لِمَا ذَكَرْنَا وَبَطَلَتْ عَنْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمَوْتَى وَلَا عِدَّةَ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَلِزَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا مِنْ سَاعَتِهِ لِانْعِدَامِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَالْمَيِّتَةِ وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً أَوْ سُبِيَتْ لَمْ يُنْتَقَضْ نِكَاحُ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعِ لِأَنَّ نِكَاحَهَا لَا يَعُودُ وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ سَاعَتِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلَوْ وَلَدَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ لَا يَثْبُتُ وَيُسْتَرَقُّ الْوَلَدُ تَبَعًا لَهَا وَكَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِمَا قُلْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ فَإِنْ أُمِّنَ نَفَذَ وَإِنْ هَلَكَ بَطَلَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ تَعْتَمِدُ الْأَهْلِيَّةَ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ بِالْعَقْلِ وَنَفَاذُ التَّصَرُّفِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلَوْ زَالَ الْمِلْكُ لَزَالَ إلَى وَرَثَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُمْ فِي مَالِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ يَرِثُهُ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ حُكْمِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ لَا يَرِثُهُ فَدَلَّ عَلَى قِيَامِ مِلْكِهِ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَيَنْفُذُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ مِثْلُ مَا يَصِحُّ مِنْ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهُ إلَى الْإِسْلَامِ إذْ الشُّبْهَةُ تُزَاحُ فَلَا يُقْتَلُ فَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ وَلَا يُجْعَلُ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا فَيُقْتَلُ لِأَنَّ مِنْ انْتَحَلَ إلَى نِحْلَةٍ قَلَّ مَا يَتْرُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُعْرِضًا عَمَّا نَشَأَ فِيهِ فَيُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إذَا لَحِقَتْ بِالدَّارِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمَةً لَا يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَإِذَا ارْتَدَّتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهَا بَطَلَتْ عِدَّتُهَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْنَا مُسْلِمَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ أَوْ الْحَيْضِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَعُودُ مُعْتَدَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعُودُ مُعْتَدَّةً كَمَا كَانَتْ. اهـ. قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَابِعَةٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ ثُبُوتًا وَسُقُوطًا فَبِارْتِدَادِ الرَّجُلِ تَسْقُطُ عِصْمَةُ النَّفْسِ لِكَوْنِهِ حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُقْتَلُ وَتَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ أَيْضًا تَبَعًا لَهَا فَيَكُونُ كَسْبُ الِارْتِدَادِ أَيْضًا فَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَالِ حَرْبِيٍّ مَقْهُورٍ فِي أَيْدِينَا أَمَّا ارْتِدَادُ الْمَرْأَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ النَّفْسِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ لِعَدَمِ الْحِرَابِ فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ أَيْضًا لِأَنَّ كَسْبَهَا فِي الرِّدَّةِ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَتِهَا الْمُسْلِمِينَ كَكَسْبِهَا فِي الْإِسْلَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا) مَعْنَى هَذَا أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَبَعٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ فَبِالرِّدَّةِ لَا تَزُولُ عِصْمَةُ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تُقْتَلَ فَكَذَا لَا تَزُولُ عِصْمَةُ مَالِهَا فَكَانَ الْكَسْبَانِ مِلْكَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ كَسْبَهُ فِي الرِّدَّةِ فَيْءٌ لِكَوْنِهِ مُحَارِبًا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ بِاللَّحَاقِ. اهـ. كَاكِيٌّ فَرْعٌ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ أَسِيرًا وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدَّةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُوقَفُ مُبَايَعَتُهُ وَعِتْقُهُ وَهِبَتُهُ) أَيْ وَكِتَابَتُهُ وَقَبْضُ الدُّيُونِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ) أَيْ فَلِهَذَا كَانَتْ عُقُودُ الْمُرْتَدَّةِ كُلُّهَا جَائِزَةً إلَّا مُفَاوَضَتُهَا فَإِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ إنْ أَسْلَمَتْ صَحَّتْ وَإِلَّا صَارَتْ عَنَانًا كَمَا قَالَا فِي الْمُرْتَدِّ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرْعٌ) أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِنَفْسِ الرِّدَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي. اهـ. قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>