- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ «وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» فَيَكُونُ حُجَّةً لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي تَوَقُّفِهِمَا فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا تَبِعَهُمَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ تَبَعًا لِأَبِيهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ وَلَيْسَ بِمُرْتَدٍّ حَقِيقَةً فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي الْقَتْلِ حُكْمَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ يُسْتَرَقُّ وَلَا يُقْتَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُجْبَرُ رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَبَعًا لِجَدِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَوْ أُجْبِرَ إمَّا أَنْ يُجْبَرَ تَبَعًا لِأَبِيهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ وَالتَّبَعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَبَعٌ أَوْ تَبَعًا لِجَدِّهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْآبَاءِ فِي الدِّينِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْجَدُّ وَلَوْ أُلْحِقَ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا كَافِرٌ غَيْرُ الْمُرْتَدِّ وَأَصْلُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ أَمْ لَا فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَكُونُ مُسْلِمًا فَإِذَا تَبِعَهُ فِي الْإِسْلَامِ تَبِعَهُ فِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَكَذَا فِي الْإِجْبَارِ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ أَرْبَعَةٌ كُلُّهَا تُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ إذَا كَانَ الْجَدُّ مُوسِرًا فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِ الْحَافِدِ وَالثَّالِثَةُ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِأَقْرِبَائِهِ هَلْ يَدْخُلُ الْجَدُّ فِيهَا أَوْ لَا وَالرَّابِعَةُ جَرُّ الْوَلَاءِ وَهُوَ مَا إذَا أُعْتِقَ الْجَدُّ هَلْ يُجَرُّ وَلَاءُ الْحَافِدِ إلَى مَوْلَاهُ أَمْ لَا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ الْجَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَالْأَبِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَلَا إسْلَامُهُ بِإِسْلَامٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَحْكَامٌ يَشُوبُهُ بِهَا ضَرَرٌ كَحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَلُزُومِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ الْمُشْرِكَةِ أَوْ الْمُسْلِمَةِ وَامْتِنَاعِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَى أَبَوَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَقَارِبِهِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَبَوَيْهِ فَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا إذْ التَّبَعِيَّةُ دَلِيلُ الْعَجْزِ وَالْأَصَالَةُ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِارْتِدَادَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ فَلَا يُؤَهَّلُ لَهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَمَحَّضَ ضَرَرًا وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَإِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيمَانَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ كَانَ آمَنَ صَبِيًّا وَافْتِخَارُهُ بِذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَكَانَ يَقُولُ:
سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا ... غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانَ حُلْمِي
وَسُقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا ... بِصَارِمِ هِمَّتِي وَسِنَانِ عَزْمِي
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ خَمْسِ سِنِينَ وَذَكَرَ الْقُتَبِيُّ أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ سَبْعَ سِنِينَ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَعُمْرُهُ ثَمَانُ سِنِينَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَكَذَا أَتَى بِحَقِيقَةِ الْكُفْرِ وَهُوَ الْجُحُودُ وَالْإِنْكَارُ وَلَا مَرَدَّ لِلْحَقَائِقِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَنْ طَوْعٍ دَلِيلُ الِاعْتِقَادِ فَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّهِ وَلَا الْحَجْرِ عَنْهُ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا يُحْجَرُ عَنْهَا كَمَا لَا يُحْجَرُ فِي حَقِّ سَائِرِ أَفْعَالِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
يُقْتَلُ أَوْ يَسْتَسْلِمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ) أَيْ كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصِفْ الْإِسْلَامَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَذَا هُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ أُلْحِقَ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِآدَمَ إلَخْ) وَالْمَعْقُولُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُكْمَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى كُلِّ الْجِنْسِ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْمَقَادِيرِ أَحَقَّ مِنْ بَعْضٍ فَلَزِمَ الْقَصْرُ عَلَى الْأَدْنَى لِتَيَقُّنِهِ وَهُوَ الْأَبُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلْجَدِّ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أُسِرُوا فَيُسْتَرَقُّ أَوْ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَكُونُ مُسْلِمًا) وَجْهُ مَا رَوَى الْحَسَنُ أَنَّ الْجَدَّ لَهُ حُكْمُ الْأَبِ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ فِي بَيْعِ مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا فِي تَبَعِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا تَبِعَ الْأَبَ لِأَنَّهُ يَتَفَرَّعُ مِنْهُ فَيَتْبَعُ الْجَدَّ تَبَعًا لِأَنَّهُ تَفَرُّعٌ، وَجْهُ الظَّاهِرِ مَرَّ آنِفًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ) قَالَ فِي الْكَافِي أَرْبَعُ مَسَائِلُ لَمْ يُجْعَلْ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جُعِلَ الْجَدُّ فِيهَا كَالْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِ الْحَافِدِ) أَيْ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُؤَدِّي الْجَدُّ الْفُطْرَةَ عَنْ ابْنِ ابْنِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُؤَدِّيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِابْنِ الِابْنِ مَالٌ كَالْأَبِ لَكِنْ إذَا كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَارْتِدَادُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ كَإِسْلَامِهِ) أَيْ فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ) وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي حَجّ غَرِيبُ الرِّوَايَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ زُفَرَ فِي ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ رَمَى صَيْدًا أَوْ ذَبَحَ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ اهـ فُصُولٌ اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ إذَا أَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ نَحْوُ الْإِرْثِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِرْمَانِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُشْرِكِينَ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ فِي حَقِّهِ وَحِلِّ نِكَاحِ الْمُؤْمِنَةِ وَبُطْلَانِ مَالِيَّةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّهِ وَعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) ثُمَّ لَمَّا صَحَّ ارْتِدَادُ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَمْ يَرِثْ أَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute