للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ دُخُولُ الْوَقْتِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَشَبَهًا بِغَيْرِهَا فَيُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَأَمَّا أَذَانُ الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ حِينَ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِنَّ فَيَكُونُ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ انْتِسَاخِ جَمَاعَتِهِنَّ؛ وَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشْهِرَ نَفْسَهُ وَيُؤَذِّنَ عَلَى الْمَكَانِ الْعَالِي وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِهَذَا «جَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ» وَيُعَادُ أَذَانُهَا اسْتِحْبَابًا لِوُقُوعِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَلَمْ يُوجَدْ الْإِعْلَامُ، وَأَمَّا الْقَاعِدُ فَلِأَنَّ الْمَلَكَ النَّازِلَ أَذَّنَ قَائِمًا؛ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ أَبْلَغُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْأَذَانِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلِفِسْقِهِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ) أَيْ لَا يُكْرَهُ أَذَانُ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مُلْزِمًا فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) أَيْ تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا»؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ فَلَا يُسْقِطُ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهَا وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُ الْأَذَانِ وَيُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُ الْإِقَامَةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسَافِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيَحْضُرَ الْمُتَفَرِّقُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ الِافْتِتَاحِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي الْمِصْرِ إذَا وُجِدَا فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُقِيمَ قَدْ وَجَدَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّبُوا مُؤَذِّنًا صَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ حُكْمًا بِالِاسْتِنَابَةِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ فِي مَنْزِلٍ وَاكْتَفَوْا بِأَذَانِ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ وَقَدْ أَسَاءُوا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَا لَهُمَا لَا لِلنِّسَاءِ) أَيْ نُدِبَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ فِي بَيْتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ لَا لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَعَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَرَاهِيَتُهُمَا لَهُنَّ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبِيدِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُمْ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَلِهَذَا لَمْ يُشْرَعْ التَّكْبِيرُ عَقِيبَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ شَبِيهٌ بِهَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ قُلْنَا لَا يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الشَّبَهِ قُلْنَا يُكْرَهُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ الشَّبَهُ فِي الْحَدَثِ وَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَفِي الْجَنَابَةِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَيَلْغُو الْعَمَلُ بِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَشُبِّهَا بِغَيْرِهَا) أَيْ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ اهـ (قَوْلُهُ: فَيُشْتَرَطُ لَهُمَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (قَوْلُهُ: وَيُعَادُ أَذَانُهَا اسْتِحْبَابًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ أَذَانِ أَرْبَعَةٍ الْجُنُبُ وَالْمَرْأَةُ وَالسَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ رَاكِبًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ رَاكِبًا فِي السَّفَرِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْأَذَانَ أَصْلًا فِي السَّفَرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ رَاكِبًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَنْزِلَ لِلْإِقَامَةِ اهـ، ثُمَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ أَذَانَ الرَّجُلِ أَفْضَلُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ جَازَ قَالَ الْكَمَالُ لَمَّا ثَبَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ سُقُوطُ الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ كَمَا بَعْدَ أُولَى الْفَوَائِتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ وَثَانِي الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ صَرَّحَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي الْحَوَاشِي بِأَنَّ الْإِقَامَةَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ نَقْلًا مِنْ الْمَبْسُوطِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا أَيْ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُسْقِطُ الْجَمَاعَةَ فَلَا تَسْقُطُ لَوَازِمُهَا الشَّرْعِيَّةُ أَعْنِي دُعَاءَهُمْ فَالتَّرْكُ لِلْكُلِّ حِينَئِذٍ تَرْكٌ لِلْجَمَاعَةِ صُورَةً وَتَشَبُّهًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَتَرْكُ الْمَجْمُوعِ لَوَازِمُهَا إنْ كَانَتْ بِجَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ تَارِكِهِمَا فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الْمَحَلَّةِ وَإِقَامَتَهَا كَأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ) الصَّوَابُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى آخِرِهِ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَقَالَ يَكْفِينَا أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتُهُمْ؛ وَلِأَنَّ مُؤَذِّنَ الْحَيِّ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَصَّبُوهُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَكَانَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ كَأَذَانِ الْكُلِّ وَإِقَامَتِهِمْ وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>