بِالْأُخْرَى فَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَجْعَلُ عَنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يُجِيزَا هَذَا الِاسْمَ عَلَى هَذِهِ الشِّرْكَةِ وَقَالَا هَذِهِ كَلِمَةٌ تَطَرَّقَ بِهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ لِيُمْكِنَهُمْ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الشِّرْكَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهَذَا خَطَأٌ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ النَّابِغَةُ
وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقَاهَا ... وَفِي أَحْسَابِهَا شِرْكَ الْعِنَانِ
وَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الشِّرْكَةُ فِيمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا حَاجَةَ إلَى تَضَمُّنِهِ الْكَفَالَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ وَعَكْسِهِ) وَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ دُونَ الْمَالِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْتَرِطَا الْأَكْثَرَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا أَوْ لِأَكْثَرِهِمَا عَمَلًا وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا فَلَا يَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا خِلَافَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْوَضِيعَةِ عَلَى خِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَا الرِّبْحُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ وَالضَّمَانِ وَقَدْ وُجِدَ الْعَمَلُ هُنَا فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَشْرُوطَ بِهِ كَالْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ وَالْأُسْتَاذُ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ بِالضَّمَانِ وَغَيْرِهِمَا بِالْمَالِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَسَّتْ إلَى اشْتِرَاطِ التَّفَاضُلِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَهْدَى وَأَحْذَقَ فِي التِّجَارَةِ وَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُهُمْ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الشِّرْكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ إلَى الْقَرْضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ وَبِخِلَافِ الْوَضِيعَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَمَانَةَ تُنَافِيهِ كَالْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الزِّيَادَةِ مِنْ الرِّبْحِ بِعَمَلِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ مِثْلَ عَمَلِ شَرِيكِهِ أَوْ أَكْثَرَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعْمَلُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَيُشْبِهُ الشِّرْكَةَ مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ وَوُجُودُ الْعَمَلِ وَالْمَالِ مِنْهُمَا فَقُلْنَا جَازَ اشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَلَا تَبْطُلُ بِاشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالشِّرْكَةِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْمَلُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ وَفِي مَالِ نَفْسِهِ وَعَمَلُهُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ بِأُجْرَةٍ فَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى فِيهِ كَالْمُضَارَبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَعْضِ الْمَالِ) أَيْ يَجُوزُ بِبَعْضِ الْمَالِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهِ وَالْمُسَاوَاةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِخِلَافِ الْجِنْسِ) أَيْ تَجُوزُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَمِنْ جِهَةِ الْآخَرِ دَنَانِيرَ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ وَلَا تُتَصَوَّرُ الشِّرْكَةُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الشِّرْكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِلَا خَلْطٍ وَالْجِنْسَانِ لَا يَخْتَلِطَانِ فَيَكُونُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُمْتَازًا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَلَا اشْتِرَاكَ مَعَ الِامْتِيَازِ وَلَفْظُ الشِّرْكَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَاطِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَنَا أَنَّ الشِّرْكَةَ عَقْدُ تَوْكِيلٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِيَشْتَرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْخَلْطِ وَالرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْعَقْدُ شِرْكَةً وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ حَتَّى جَازَ شِرْكَةُ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلُ لَا إلَى الْمَالِ لِأَنَّ تِلْكَ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِالْعَقْدِ فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَنِدَةً إلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَقٌّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ يُقَالُ عَنَّ لَهُ أَيْ اعْتَرَضَ لَهُ وَهَذَا لَا يُنْبِئُ عَنْ الْكَفَالَةِ وَحُكْمُ التَّصَرُّفِ لَا يَثْبُتُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ دُونَ الرِّبْحِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ قَالَ الْكَمَالُ وَعَكْسُهُ بِأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الْمَالِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَرَطَاهُ لِلْقَاعِدِ أَوْ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا) أَيْ إذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ زِيَادَةُ رِبْحٍ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ جَازَ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِمَّا يُسْتَحَقُّ بِهِ أَصْلُ الرِّبْحِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَإِنْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ رِبْحِ مَالِهِ جَازَ أَيْضًا وَيَكُونُ مَالُ صَاحِبِهِ فِي يَدِهِ كَالْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ وَإِنْ شَرَطَا الْفَضْلَ لِمَنْ لَا يَعْمَلُ لَا يَجُوزُ وَلَهُ مِثْلُ رِبْحِهِ خَاصَّةً. اهـ. شَرْحُ تَكْمِلَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ أَثْلَاثًا فَصَاحِبُ الزِّيَادَةِ يَسْتَحِقُّهَا بِلَا ضَمَانٍ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ» وَلَمْ يُعَرِّفْ الْحَدِيثَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَنْسُبُهُ إلَى عَلِيٍّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُضَارَبَةُ إلَى الْقَرْضِ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْبِضَاعَةُ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ لِرَبِّ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُضَارَبَةَ) أَيْ عَقْدُ شِرْكَةِ الْعِنَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ الشِّرْكَةَ) أَيْ شِرْكَةَ الْمُفَاوَضَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مَالَانِ لَا يَخْتَلِطَانِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمَا الشِّرْكَةُ قِيَاسًا عَلَى الدَّرَاهِمِ مَعَ الْعُرُوضِ وَلَنَا أَنَّهُمَا مَالَانِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ فَتَنْعَقِدُ بِهِمَا الشِّرْكَةُ كَمَا إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ عَلَى وَضِيعَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ مَعَ الْعُرُوضِ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَلِأَنَّ أَوَّلَ هَذَا الْعَقْدِ تَوْكِيلٌ فِي التَّصَرُّفِ وَآخِرُهُ اشْتِرَاكٌ فِي الرِّبْحِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الِاتِّحَادُ فِي الْمَالِ وَلَا الْخَلْطُ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ فَلَوْ قَالَ زُفَرُ إنَّ الشِّرْكَةَ فِي الْجِنْسَيْنِ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يُسْتَوْفَى بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ كَالْعُرُوضِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ الْجَهَالَةَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ مَالِهِ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ قِيمَةٍ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute